للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقوم بمراجعة وتقويم ما ورثه الطفل من بيئة "الآباء" الخاصة، والعامة في ضوء نماذج المثل الأعلى التي تود التربية أن تنشئ الطفل على إرادتها.

ولنتحقق من أثر الموروثات الاجتماعية في موقف الإنسان من المثل الأعلى، يمكن أن نلاحظ أن الإنسان يبصر ويسمع، ويفهم بخلفيته الثقافية وبمواريثه الاجتماعية. فالناس الذين يمشون يلاحظ أحدهم الأماكن التي تباع فيها التحف القديمة، ويلاحظ آخر المكتبات التي تبيع الكتب والصحف، ويلاحظ ثالث الملاهي، ويلاحظ رابع المساجد، ويلاحظ خامس سمك الفسيح، ويلاحظ سادس مطاعم الهامبرجر. وهكذا كل يلاحظ بحسب الإرادات التي نمتها فيه الموروثات الاجتماعية -خاصة في عهد الطفولة. إن عيونهم التي في وجوههم تلتقط مثل آلات التصوير كل المشاهد، ولكن الذي يحضر الأفلام في الداخل ينتقي مشاهد معينة فقط١. وهذا يعني إن وراء عيوننا الحسية عيونا أخرى اجتماعية تقوم بعملية الانتقاء. وهذه العيون هي التي يتحدث عنها الله تعالى حين يقول:

{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] .

والناس الذين تطرق آذانهم أصوات متعددة تنقل إليهم موضوعات، وأفكارًا عبر أجهزة الأعلام، وفي الندوات والمحاضرات. ولكن بعضهم يسمع ويعي الأشعار -أو أشعارًا معينة بالذات، وبعضهم يعي الفقرات الدينية، وبعضهم يعي وينجذب للأغاني، وبعضهم يعي وينجذب للنكات المسرحية، وبعضهم يعي وينجذب للتعليقات السياسية، وبعضهم يعي وينجذب للأحاديث الاقتصادية، وبعضهم يعي وينجذب لأخبار العلم والتكنولوجيا. إن آذانهم التي في رءوسهم تتلقى جميع الأصوات، ولكن أجهزة التسجيل والوعي التي في الداخل تسجل وتذيع مقطوعات معينة، أو موضوعات معينة فقط.


١ جودت سعيد، العمل.

<<  <   >  >>