للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقائدية التي قامت عليها مدارس الأصول والفقه والتربية، وكن من ثماره أيضا تلك التطبيقات الاجتماعية التي ارتقت بالمجتمع الإسلامي إلى تسلم القيادة الحضارية في الأرض كلها.

كذلك ارتقى الناظرون في آيات الآفاق إلى مستوى التفاعل، والحوار المستمر مع الكون المحيط باحثين عن شواهد صدق آيات الكتاب في آيات الكون. وبسبب هذا الموقف العلمي انفتحوا على تراث الحضارات السابقة، وأخضعوه للمراجعة والبحث. وكان من ثمار ذلك تلك الثروة العلمية التي كانت أساسا هاما في أسس النهضة الإنسانية كلها، وكان من ثماره أيضًا تلك التطبيقات التي جعلت العالم الإسلامي آنذاك مصدر التكنولوجيا إلى غيره من الأقطار.

ولكن المسيرة لم تستمر لتصل مداها، فمنذ القرن الرابع الهجري، أخذت مؤسسات التربية الإسلامية تهمل المستوى الأعلى من تنمية القدرات العقلية، واكتفت بتنمية المستوى الأوسط، ونتيجة لذلك جاء جيل من المفكرين انحدر في قدراته العقلية عن مستوى -المواقف العلمية- التي تؤهل للكشف، والابتكار إلى مستوى الوقوف عند فهم القوانين والمبادئ والنظريات دون قدرة على ابتكار جديد مثلها، وهو ما أسموه بـ"الاتباع". فكان من ثمار ذلك تلك التطبيقات الفقهية، والعلمية التي مثلتها مؤلفات المذاهب، والمدارس التربوية المختلفة. ومع النزول إلى هذا المستوى من القدرات التسخيرية بذرت بذور تقديس الآباء وتقليدهم؛ لأن الوقوف عند الأصول، والنظريات التي ابتكرها الآباء هو افتراض الكمال، والاستمرارية في علومهم وقصر الابتكار عليهم.

ثم تلا هذا الجيل جيل ثالث بدأ منذ القرن الثامن الهجري، واستمر حتى مطلع العصور الحديثة، وهو جيل نزل في تفكيره إلى منزلة النظر في مؤلفات المذاهب والمدارس العلمية، والوقوف عندها. أو ما عرف بـ"التقليد" وأهمل جانب النظر في آيات الآفاق والأنفس -أي الجانب العلمي- إهمالًا

<<  <   >  >>