للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والهزيمة والتخلف، بعدا أن كان صبرا على مواجهة التحديثات ومقارعة الشر ورد العدوان، وإرهاق العمل وعلاج الأمراض المختلفة. وانقلب معنى "الزهد" فصار عجزا عن العمل وقعودا عنه، ورضى بالفقر والضعف والهوان بعد أن كان زهد الأغنياء والأقوياء بالثروة والجاه في سبيل المثل الأعلى. وانقلب معنى "التوكل" فصار تبريرا للارتجالية، والفوضى وعدم الإعداد وإضاعة الوقت والمقدرات، بعد أن كان ثباتا وإصرارا بعد استكمال الاستعداد والتخطيط. وانقلب معنى "التسليم للمشيئة الإلهية"، فصار تبريرا للتراخي وعدم الإنجاز، بعد أن كان تصميما على مواجهة المصاعب واستهانة بكافة العقبات ما عدا مشيئة الله.

والنتيجة الخامسة، أن حصر مفهوم "العمل الصالح" في الميادين الدينية أدى إلى إهمال المؤسسات التربوية للقدرات التسخيرية، والخبرات المربية مما أفرز أفرادا يفتقرون إلى القدرات، والمهارات التي يتطلبها العصر.

٢- غموض نموذج "المثل الأعلى":

لا تقدم المؤسسات والنظم التربوية الإسلامية التقليدية نموذج المثل الأعلى الذي يتفق مع الأصول الأولى في القرآن، والسنة ويلائم حاجات الحاضر وتحدياته. ولكنها تكتفي بعرض صور منتقاة من "المثل العليا" التي أفرزها "فقه الآباء" في العصور المختلفة، وأحيانا تكتفي بمدح هذه النماذج دون عرض لتفاصيلها أو إيصال الدارس بمصادرها. ويصاحب هذا العرض انتقاص مما تراه وتعتبره "مثل سوء" تقوم خارج المنطقة الإسلامية في الحاضر. وتكون النتيجة لذلك عزل المتعلم عن الحاضر، وإحساسه بالنقص إزاء الماضي مما يورثه العجز والاغتراب.

ويزيد في حدة المشكلة المشار إليها أن البيئات المحلية الخانقة للحرية المثقلة بـ"آصار" الموروثات الاجتماعية والآبائية الثقافية، المكبلة بـ"أغلال" القيم السياسية والإدارية السلطوية تفرز قدرات عقلية قاصرة، مشوهة التكوين.

<<  <   >  >>