للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحضاري. وفي المقابل فإن جميع المزاعم والمقولات التي يشيعها سحرة الكلمة والبيان من الشعراء الغاوين، ومن الأدباء والإعلاميين، والفنانين عن إرادات أصحاب النفوذ والجاه، فإنها حين تصطدم بأقدار الله -أي قوانينه وسننه- فإنها لا يكون من ثمارها إلا ضنك العيش وخسران المصير. ثم تكون المحصلة النهائية للإيمان بالقدر خيره، وشره هي الالتزام بالتفكير العلمي، والموضوعية في جميع السياسات وأنماط السلوك.

أما -الطريقة التربوية الثانية- التي شاهدها تاريخ التربية الإسلامية فهي -طريقة القولبة المذهبية- التي نشأت حين هيمن رجال القوة على رجال الشريعة، والفكر ودحروهم من قلب الاجتماع الإنساني إلى عالم الغيب المتعلق بـ"ذات الله"، وعالم "الفرد" الخاص المتعلق بالهيئة وشعائر العبادة وقضايا الطهارة، وعلاقات الزوجين ومعاملات الأسواق، تاركين قضايا الحياة الرئيسة، -خاصة شئون الحكم والمال العام- لـ"ثقافة" العصبيات القبلية بتقاليدها وأعرافها الصنمية القائمة على "طغيان" القوي و"استضعاف" الضعيف. فمنذ ذلك التحول قام عمل المؤسسات التربوية فيما يخص "الإيمان"، وإخراج الأفراد المؤمنين على التلهي بالجدل حول قضايا الاستواء والنزول، والتجسيد والتشبيه ومحاكمة الماضين الأموات، والعزل الأحياء بالنسبة لهذه القضايا، وعلى تلقين المتعلمين "فهم" إنسان معين أو فرقة معينة دون أن يصاحب هذا التلقين تجارب عملية في مختبر الآفاق والأنفس، فكان من ثمار هذا التلقين المجرد تكوين "اعتقاد" مقولب يفرز سلوكا جامدا لا يتغير ولا يتبدل. ثم تطورت ونمت هذه الأساليب، وأفرزت مناهج دراسية عرفت باسم "مباحث العقيدة".

والعقيدة -كدلالة على الإيمان الصحيح أو الخاطئ- مصطلح لم يرد في القرآن والسنة، وإنما لذي ورد هو "اليقين"، ومشتقاته التي تكررت في "٢٨" موضعا من سور القرآن الكريم من ذلك قوله تعالى:

{قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: ١١٨] .

<<  <   >  >>