للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأساس في حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للعيش قاعدتان: الأولى، الإقامة في الأرض حيث تتوفر الحرية -خاصة حرية العبادة:

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: ٥٦] . أي هاجروا واستقروا حيث تستطيعون عبادتي عبادلة شاملة غير مجزأة، وعبادة متحررة من الضغوط المادية والنفسية والاجتماعية والفكرية. والثانية، حرية السفر في مناكب الأرض كلها للتجارة والعمل. وإلى هذه الحرية الثانية يشير القرآن بتعابير "الضرب في الأرض" و"السعي في مناكبها". وتتكرر هذه الإشارة في كل من سور البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والمزمل.

ولا يجوز أن يحول بين الناس، وبين الضرب في الأرض والسعي في مناكبها والأكل من رزق الله عوائق التقسيمات الجغفراية، والجنسيات العصبية وأيدولوجيات العلو والاستكبار، وأخلاق الجشع والإسراف: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: ١٥] .

ولا يجوز -أيضا- أن تقف المعتقدات الدينية حواجز مادية مانعة أمام الانتفاع بمصادر العيش في الأرض. ولذلك حين دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يخص "المؤمنين" من ساكني البلد الحرام بالأمن، والثمرات -أي بنعمة الإيواء الأمني والمعيشي- جاءه الجواب الإلهي أن هذا -الإيواء- سوف يتمتع به "الكافرون" أيضا في فترة الحياة الدنيا القليلة، ثم يجزون على كفرهم في نار الآخرة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ١٢٦] .

قال ابن عباس في تفسير هذه الآية١: كان إبراهيم عليه السلام


١ الطبراني، المعجم الكبير، جـ١٢، ص٣٠، ٣١.

<<  <   >  >>