للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"قال أبو بكر لما بعثني إلى الشام: يا يزيد إن لك قرابة عسى أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكبر ما أخاف عليك. فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة له بغير حق، فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا، ولا عدلا حتى يدخله جهنم. ومن أعطى أحدا من مال محاباة فعليه لعنة الله". أو قال: "برئت منه ذمة الله. إن الله دعا الناس أن يؤمنوا فيكونوا حمى الله. فمن انتهك في حمى الله شيئا بغير حق فعليه لعنة الله. أو قال: برئت منه ذمة الله عز وجل" ١.

ومن هذا الهدي النبوي -الراشدي استوحى ابن تيمية آراءه في هذا الشأن فقال: "فإن عدل "ولي الأمر" عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة، أو صداقة، أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس: كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، فيما نهى الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فإن الرجل لحبه لولده أو لعتيقه قد يؤثره في بعض الولايات، أو يعطيه ما لا يستحقه، أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات، فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته"٢.

ولما كانت "الأشياء" وما تجسده من مال وزخارف الحياة المادية هي الوسيلة الرئيسية التي يستعملها "أشخاص" العصبيات للحصول على النصرة، فإنه سرعان ما تصبح نصرة "الأشياء" هي المحور الذي تدور في فلكه "الأفكار والأشخاص"، وتصبح الهيمنة في الأمة لأرباب المال، والتجارات وصانعي الشهوات، وتسود ثقافة الاستهلاك والترف، وتتمزق شبكة العلاقات


١ المتقي الهندي، كنز العمال، جـ٥، ص٦٦٥ نقلًا عن مسند أحمد، وعن ابن شعبة البغدادي.
٢ ابن تيمية، الفتاوى، كتاب الجهاد، جـ٢٨، ص٢٤٨، ٢٤٩.

<<  <   >  >>