للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند بدء اختلال العلاقة بين رجال الفكر وبين رجال القوة، ثم دخول الطرفين في شقاق طويل انتهى بتغلب رجال القوة، وتطويعهم لرجال الفقه والفكر. ولقد وصف ابن تيمية تطور الشقاق المذكور فقال:

"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون يسوسون الناس في دينهم ودنياهم، ثم بعد ذلك تفرقت الأمور، فصار أمراء الحرب يسوسون الناس في أمر الدنيا والدين الظاهر، وشيوخ العلم والدين يسوسون الناس فيما يرجع إليهم فيه من العلم والدين"١.

ويعلل ابن تيمية هذا الانشقاق فيقول:

"ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال، والشرف وصاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم، رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين. ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به من ذلك. ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك، فأخذه معرضًا عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك، وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل، لا في محل العلو والعز. وكذلك لما غلب على كثير من أهل الدين العجز عن تكميل الدين، والجزع لما قد يصيبهم من إقامته من البلاء، واستضعف طريقتهم واستذلها من رأى من لا تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها.

وهاتان السبيلان الفاسدتان -سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال. وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب، ولم يقصد بذلك إقامة الدين، وهما سبيل المغضوب عليهم والضالين"٢.

ويضيف ابن تيمية أن ظاهرة الانشقاق بين رجال العلم، ورجال السياسة تفاقمت تحت قيادة العباسيين حتى انتهت إلى الانشقاق بين المؤسسات الممثلة لكلا الفريقين. وفي ذلك يقول:


١ ابن تيمية، الفتاوى، أصول الفقه، جـ٢٠، ص٣٩٣.
٢ ابن تيمية، الفتاوى، كتاب الجهاد، جـ٢٨، ص٣٩٤، ٣٩٥.

<<  <   >  >>