للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِين، مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [المؤمنون: ٤١-٤٣] .

فـ"الغثاء" بقايا ونفايات بشرية خاوية تعيش على هامش مجرى الاجتماع الإنساني كدويلات وأقليات متناثرة، وثقافات هامشية تراثية -آثارية. ولي سفيها قابلية البعث من جديد، والإسهام في حمل الرسالة، فلا هي مستعدة للتضحية، ولا قادرة على التحرر من رق الشهوات الفردية والولاءات العصبية، وأبرز صفاتها هو -الوهن- أي حب الدنيا وكراهية الموت، والتضحية حسب تعريف رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فهي تخاف من تكاليف الحرية، وتجبن عن مجابهة الظلم في الداخل وصد الغزاة من الخارج، بل إن هذا الجبن يصبح عند "الغثائيين" مردافا للحكمة والتعقل، ولذلك ترحل -الرسالة- لتزكية خامات بشرية جديدة ما زالت تحتفظ بفطرتها المعافاة من "الوهن".

وحين تكمل تزكية هذه العناصرة الجديدة تبدأ دورة أخرى في بناء أمة جديدة تتسلم إمامة الإرشاد في الأرض، وتبدأ دورة الإصلاح من جديد بقوة، ونشاط يتطابقان مع مستوى "المثل الأعلى" الذي تطرحه المؤسسات التربوية التي أسهمت في تربية الأمة الجديدة. وإخراج هذه الأمة الجديدة، لتحل محل الأمة

الميتة هو ما يشير إليه قوله تعالى:

{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: ٣٩] .

ولعله من المناسب أن نقول: أن هذه السنن والقوانين في التعذيب، والاستبدال هي التي وجهت تعاقب الأمم الإسلامية من العرب المسلمين، والفرس المسلمين، والسلاجقة والزنكيين، والأيوبيين، والمماليك، ثم الأتراك العثمانيين. فقد رحلت الرسالة الإسلامية من الأمة السابقة إلى اللاحقة، واستمرت في كل أمة من هذه الأمم ما دامت تقوم بتكاليف الرسالة حتى إذا أثاقلت إلى الأرض استبدلها الله بالتي تليها.

ولعله من المناسب -هنا- أن نوضح أن هزيمة العثمانين آخر الأمم

<<  <   >  >>