للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

د- مثل أعلى باطل وتطبيق باطل:

وهذا النوع من "المثل الأعلى" لا يأتي بنتائج قليلة أو كثيرة. ويمثل هذا النموذج كثير من المفاهيم الخاطئة للإسلام كالمذهبيات الضيقة، والتصوف المنحرف والدروشة، وقيم العصبيات القبلية والإقليمية. ويقابلها كثير من قيم الدكتاتورية المتخلفة في بعض أقطار العالم الثالث.

ولذلك تلجأ الدول الكبرى المستعمرة -بناء على توصية الخبراء في ثكناتها الفكرية المسماة Think Tanks- إلى تصدير نماذج باطلة من "المثل الأعلى" إلى العالم الثالث أو بعث الحياة في نماذج باطلة قديمة من تراث الماضي -كالفرعونية والأشورية والشيوعية- ثم توجيه أبناء هذا العالم إلى تطبيق هذه النماذج تطبيقًا باطلا قائما على الارتجال والحمية، وانتقاص الإنسان، لتكون ثمرة هذا التطبيق أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم، وتبرز الانتماءات الطبقية والعصبيات الضيقة والحزبيات، والإقليميات المتصارعة والفتن الداخلية، وشيوع

العجز والكسل المؤديين إلى الفقر، والمرض في الداخل وغلبة الدين وقهر الرجال

في الخارج، وغير ذلك مما يناسب مصالح الدول الكبرى في الهيمنة والاستغلال.

ويمكن أن تنشأ عن كل من الأنواع الأربعة للمثل الأعلى حركات تاريخية مختلفة. فالأول يكتسح العالم بسرعة ويفرز حضارة راقية الغايات والوسائل، وهذه هي حال المثل الأعلى الذي حمله المد الإسلامي الأول. والثاني يبقي ما في المثل الأعلى من صلابة، ولكن دون استفادة حضارية منه، وهذه هي حالة الإسلام في العالم الإسلامي المعاصر. وهذه الحالة الثانية هي التي تقبل المراجعة، والتغيير ثم العودة بإصلاح الإنسان، وهو ما يدور حوله الكفاح والصارع في العالم الإسلامي بين الذين يرون الحاجة إلى تطوير المثل الأعلى، ويختلفون كثيرا في معنى التطوير. ففي حين يود أناس يريدون تغير المثل الأعلى، فإنه يوجد

آخرون يريدون إعادة فهمه، وتطبيقه على وجهه الصحيح، بينما هناك فريق ثالث يريدون الإبقاء على -المثل الأعلى- كما فهمه الآباء دونما حاجة إلى تطوير١. والثالث، ينجح في إفراز حضارة متقدمة الوسائل متخلفة الغايات. وهذه هي حال المثل الأعلى الذي ترفعه الحضارة الغربية المعاصرة.


١ جودت سعيد، العمل، ص١٥٥-١٥٧.

<<  <   >  >>