للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعقدة في نهر التطور الكبير للحياة، ويكون دور التفكير خلال ذلك هو المساعدة في الوصول إلى حل المشكلات القائمة، أو تقديم مشروع للانتفاع بالأحداث الجارية، وتجنب السلبيات المرافقة على أساس الخبرات التي تقدمت قبله١. فالتفكير إذن عملية تعرف وبحث في الأشياء، وتنقيب في مكونات الحياة الجارية بغية الوقوف على القوانين التي تحكم أحداثها، والاستفادة منها في التطبيقات والمواقف المختلفة. وهو كما قلنا -عملية ربط مستمر بين العمل الذي نحاول القيام به، وبين الأثر الذي سيترتب على هذا العمل. وإلى هذا النمط من التفكير يشير قوله تعالى:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٩٠-١٩١] .

والسمة الثانية للخبرة المربية أنها تظل حية في الخبرات التي تتلوها، فيكون لها تأثير مستقبلي على الخبرات التابعة، وهو ما نسميه -استمرارية الخبرة. وهذا التأثير المستقبلي نوعان: تأثير مادي مثل خبرة نيوتن حين جلوسه تحت شجرة التفاح -إن صحت الرواية. فحين سقطت عليه تفاحة راح يتفكر في أسباب سقوطها، ولماذا سقطت إلى الأسفل ولم تنطلق إلى الأعلى أوالجوانب، ثم انتهى به التفكير إلى اكتشاف قوانين الجاذبية. فهذه خبرة ما زالت تفرز خبرات

أخرى، وما زالت تتفاعل مع التقدم العلمي فتؤثر به وتتأثر. والنوع الثاني تأثير اجتماعي مثل خبرات الرسل عليهم السلام، التي ما زالت تتفاعل مع مسيرة

الاجتماع الإنساني، وتسهم في إرشاده وحل مشكلاته. ترى كم أولئك الذين

سقطت عليهم ثمرة ما فلم يزد واحدهم عن مسحها، والتهامها دون أن يسهم بشيء في ميدان العلم، وكم


١ John Dewey, Democracy and Education, P. ١٥١.

<<  <   >  >>