للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسبب قدمها، كما أن كاتبها معرضا للنسيان أو التزوير، لهذا تطرح تساؤلات حول مدى موضوعية الوثيقة ومدى تطابق معلوماتها مع معلومات وثائق أخرى، وهل كتبت مباشرة بعد الحادثة أم بعد مرور فترة زمنية، هل كان صاحبها في صحة جسمية ونفسية سليمتين، هل كانت هناك حرية الكتابة حينما كتبت، أم أنها كتبت بتأثير من سلطة أو وجهة نظر ما، كما أن كثيرا من المسلمات التي كانت شائعة اكتشف الباحثون أنها ليست صحيحة.

إن ما ذكرناه من حيث نقد الوثائق، يعود بنا إلى نقد مصادر الخبر من حيث معرفة سلامتها أو زيفها والأسباب التي تدعو إلى التحريف والتشويه والخطأ المتعمد فيها وغير المتعمد كان أمرا معروفا منذ القدم، وقد برع المسلمون في ميدانه عندما نقدوا "الحديث" و"الخبر" ووضعوا له قواعد صارمة، وقد اقتبس الأوربيون في العصور الحديثة كثيرا من أصوله، وارتقوا به من القرن "الخامس عشر" حتى الوقت الحاضر ومع توافر الكثير من الأدوات الميسرة له اليوم، فإنه يمكن القول: إنه احتفظ بإطاره الأساسي التقليدي الذي حدده "لانغلوا" و"سينوبوس"١ في عمليتين رئيسيتين:

١- النقد الخارجي.

٢- النقد الداخلي.

وفي كليهما على الباحث أن تكون قراءته فاحصة متأنية، تتناول شخصية المؤلف أو الكاتب كما تتناول الوثيقة شكلا ومضمونا، بحيث تخرج على أسس صحيحة محكمة من التحقيق العلمي٢.

يتناول الباحث في النقد الخارجي للوثيقة هوية الوثيقة وأصالة الوثيقة "Authenticity" أي صدق الوثيقة أو عدمه "إثبات صحة الأصل"، تحديد مصدر


١ مؤرخان فرنسيان، شارل فيكتور لانغلوا "١٨٦٣-١٩٢٩م" وشارل سينوبوس " ١٨٥٤-١٩٤٢م".
٢ جاءت لفظة تحقيق مصدرا لفعل "حقق يحقق تحقيقا" وأصل مادته الفعل المضعف العين "حق" ويرى ابن فارس أنها تدور حول إحكام الشيء وصحته، ويقال: حققت الأمر أو حققته أي كننت على يقين فيه "معجم مقاييس اللغة. ٢/ ١٥، ١٦، ٢١٩" وتهذيب اللغة ٣/ ٣٧٧".

<<  <   >  >>