للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ " وَنَادَتْ عَلَيْهَا الْأَلْسُنُ " أَيْ وَصَفَتْهَا الْأَلْسُنُ. فَأَكْثَرَتْ صِفَاتِهَا. وَتَمَكَّنَتْ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْهَا.

وَ " ادَّعَتْهَا الْخَلِيقَةُ " بِخِلَافِ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ. فَإِنَّهُ لَا وُصُولَ لِأَحَدٍ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْحَقِّ تَعَالَى. فَهِيَ غَيْرُ كَسْبِيَّةٍ. وَلَا تُنَالُ بِسَبَبٍ. فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا الدَّعْوَى. فَإِنَّ شَأْنَهَا أَجَلُّ مَنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ " وَأَوْجَبَتْهَا الْعُقُولُ " يُرِيدُ: أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِوُجُوبِهَا. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ الْعُقُولَ تَحْكُمُ بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ.

وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ عَقْلَهُ بِهَذَا: فَلَا تَعْبَأْ بِعَقْلِهِ. فَإِنَّ الْعَقْلَ وَالْفِطْرَةَ وَالشِّرْعَةَ وَالِاعْتِبَارَ، وَالنَّظَرَ. تَدْعُو كُلَّهَا إِلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ. بَلْ إِلَى تَوْحِيدِهِ فِي الْمَحَبَّةِ. وَإِنَّمَا جَاءَتِ الرُّسُلُ بِتَقْرِيرِ مَا فِي الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ.

كَمَا قِيلَ:

هَبِ الرُّسُلَ لَمْ تَأْتِ مِنْ عِنْدِهِ ... وَلَا أَخْبَرَتْ عَنْ جَمَالِ الْحَبِيبِ

أَلَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُسْتَ ... حَقِّ مَحَبَّتُهُ فِي اللِّقَا وَالْمَغِيبِ

فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَقْلُهُ آمِرًا ... بِذَا. مَا لَهُ فِي الْحِجَى مِنْ نَصِيبِ

وَإِنَّ الْعُقُولَ لَتَدْعُو إِلَى ... مَحَبَّةِ فَاطِرِهَا مِنْ قَرِيبِ

أَلَيْسَتْ عَلَى ذَاكَ مَجْبُولَةً ... وَمَفْطُورَةً لَا بِكَسْبِ غَرِيبِ

أَلَيْسَ الْجَمَالُ حَبِيبَ الْقُلُوبِ ... لِذَاتِ الْجَمَالِ، وَذَاتِ الْقُلُوبِ

أَلَيْسَ جَمِيلًا يُحِبُّ الْجَمَالَ ... تَعَالَى إِلَهُ الْوَرَى عَنْ نَسِيبِ

أَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إِحْسَانُهُ ... بِدَاعٍ إِلَيْهِ لِقَلْبِ الْمُنِيبِ

أَلَيْسَ إِذَا كَمُلَا أَوْجَبَا ... كَمَالَ الْمَحَبَّةِ لِلْمُسْتَجِيبِ

فَمَنْ ذَا يُشَابِهُ أَوْصَافَهُ ... تَعَالَى إِلَهُ الْوَرَى عَنْ ضَرِيبِ

وَمَنْ ذَا يُكَافِئُ إِحْسَانَهُ ... فَيَأْلَهُهُ قَلْبُ عَبْدٍ مُنِيبِ

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ ... إِلَى كُلِّ ذِي الْخُلُقِ أَوْلَى حَبِيبِ

فَيَا مُنْكِرًا ذَاكَ وَاللَّهِ أَنْ ... تَ عَيْنُ الطَّرِيدِ وَعَيْنُ الْحَرِيبِ

وَيَا مَنْ يُحِبُّ سِوَاهُ كَمِثْ ... لِ مَحَبَّتِهِ أَنْتَ عَبْدُ الصَّلِيبِ

وَيَا مَنْ يُوَحِّدُ مَحْبُوبَهُ ... وَيُرْضِيهِ فِي مَشْهَدٍ أَوْ مَغِيبِ

وَلَوْ سَخِطَ الْخَلْقُ فِي وَجْهِهِ ... لَقَالَ هَوَانًا وَلَوْ بِالنَّسِيبِ

حَظَيْتَ وَخَابُوا فَلَا تَبْتَئِسْ ... بِكَيْدِ الْعَدُوِّ وَهَجْرِ الرَّقِيبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>