للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الشَّوْقِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى شَوْقُ الْعَابِدِ إِلَى الْجَنَّةِ]

فَصْلٌ

قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: شَوْقُ الْعَابِدِ إِلَى الْجَنَّةِ، لِيَأْمَنَ الْخَائِفُ وَيَفْرَحَ الْحَزِينُ. وَيَظْفَرَ الْآمِلُ.

يَعْنِي: شَوْقَ الْعَابِدِ إِلَى الْجَنَّةِ فِيهِ هَذِهِ الْحِكَمُ الثَّلَاثُ.

أَحَدُهَا: حُصُولُ الْأَمْنِ الْبَاعِثِ عَلَى الْأَمَلِ. فَإِنَّ الْخَوْفَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْأَمْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَنْبَعِثُ صَاحِبُهُ لِعَمَلٍ أَلْبَتَّةَ إِنْ لَمْ يُقَارِنْهُ أَمَلٌ. فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْهُ قُطِعَ وَصَارَ قَنُوطًا.

الثَّانِي: فَرَحُ الْحَزِينِ. فَإِنَّ الْحُزْنَ الْمُجَرَّدَ أَيْضًا إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الْفَرَحُ قَتَلَ صَاحِبَهُ. فَلَوْلَا رُوحُ الْفَرَحِ لَتَعَطَّلَتْ قُوَى الْحَزِينِ وَقَعَدَ حُزْنُهُ بِهِ، وَلَكِنْ إِذَا قَعَدَ بِهِ الْحُزْنُ قَامَ بِهِ رُوحُ الْفَرَحِ.

الثَّالِثُ: رُوحُ الظَّفَرِ. فَإِنَّ الْآمِلَ إِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ رُوحُ الظَّفَرِ مَاتَ أَمَلُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ شَوْقٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: شَوْقٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ زَرَعَهُ الْحُبُّ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى حَافَّاتِ الْمِنَنِ فَعَلِقَ قَلْبُهُ بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ فَاشْتَاقَ إِلَى مُعَايَنَةِ لِطَائِفِ كَرَمِهِ وَآيَاتِ بِرِّهِ وَأَعْلَامِ فَضْلِهِ. وَهَذَا شَوْقٌ تَغْشَاهُ الْمَبَارُّ، وَتُخَالِجُهُ الْمَسَارُّ، وَيُقَاوِمُهُ الِاصْطِبَارُ.

الشَّوْقُ إِلَى اللَّهِ لَا يُنَافِي الشَّوْقَ إِلَى الْجَنَّةِ. فَإِنَّ أَطْيَبَ مَا فِي الْجَنَّةِ: قُرْبُهُ تَعَالَى، وَرُؤْيَتُهُ، وَسَمَاعُ كَلَامِهِ وَرِضَاهُ. نَعَمْ. الشَّوْقُ إِلَى مُجَرَّدِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحُورِ الْعِينِ فِي الْجَنَّةِ نَاقِصٌ جِدًّا، بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَوْقِ الْمُحِبِّينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. بَلْ لَا نِسْبَةَ لَهُ إِلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. وَهَذَا الشَّوْقُ دَرَجَتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: شَوْقٌ زَرَعَهُ الْحُبُّ الَّذِي سَبَبُهُ الْإِحْسَانُ وَالْمِنَّةُ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: يَنْبُتُ عَلَى حَافَّاتِ الْمِنَنِ. فَسَبَبُهُ مُطَالَعَةُ مِنَّةِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَنْزِلَةِ الْمَحَبَّةِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>