للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُمْ فَوْقَ الْوَجْدِ. فَإِنَّ الْوَجْدَ مُصَادَفَةٌ. وَالْمَوَاجِيدَ ثَمَرَاتُ الْأَوْرَادِ. وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الْأَوْرَادُ قَوِيَتِ الْمَوَاجِيدُ.

وَ " الْوُجُودُ " عِنْدَهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ. وَهُوَ الظَّفَرُ بِحَقِيقَةِ الْمَطْلُوبِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ خُمُودِ الْبَشَرِيَّةِ. وَانْسِلَاخِ أَحْكَامِ النَّفْسِ انْسِلَاخًا كُلِّيًّا.

قَالَ الْجُنَيْدُ: عِلْمُ التَّوْحِيدِ مُبَايِنٌ لِوُجُودِهِ، وَوُجُودُهُ مُبَايِنٌ لِعِلْمِهِ.

وَلَا يُرِيدُ بِالْمُبَايَنَةِ: الْمُخَالَفَةَ وَالْمُنَاقَضَةَ. فَإِنَّهُ يُطَابِقُهُ مُطَابَقَةَ الْعِلْمِ لِلْمَعْلُومِ.

وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِالْمُبَايَنَةِ: أَنَّ حَالَ الْمُوَحِّدِ وَذَوْقَهُ لِلتَّوْحِيدِ، وَانْصِبَاغَ قَلْبِهِ بِحَالِهِ: أَمْرٌ وَرَاءَ عِلْمِهِ بِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ. وَالْمُبَايَنَةُ بَيْنَهُمَا كَالْمُبَايَنَةِ بَيْنَ عِلْمِ الشَّوْقِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَنَحْوِهَا، وَبَيْنَ حَقَائِقِهَا وَمَوَاجِيدِهَا.

فَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ. أَضْعَفُهَا التَّوَاجُدُ وَهُوَ نَوْعُ تَكَلُّفٍ وَتَعَمُّلٍ وَاسْتِدْعَاءٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِيهِ: هَلْ يُسَلَّمُ لِصَاحِبِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا يُسَلَّمُ لِصَاحِبِهِ. وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّصَنُّعِ الْمُبَايِنِ لِطَرِيقِ الصَّادِقِينَ. وَبِنَاءُ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى الصِّدْقِ الْمَحْضِ.

وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يُسَلَّمُ لِصَاحِبِهِ إِذَا كَانَ قَصْدُهُ اسْتِدْعَاءَ الْحَقِيقَةِ، لَا التَّشَبُّهَ بِأَهْلِهَا. وَاحْتَجُّوا «بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ يَبْكِيَانِ فِي شَأْنِ أُسَارَى بَدْرٍ، وَمَا قَبِلُوا مِنْهُمْ مِنَ الْفِدَاءَ: أَخْبِرَانِي مَا يُبْكِيكُمَا؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بِكَيْتُ، وَإِلَّا تَبَاكَيْتُ» . وَرَوَوْا أَثَرًا «ابْكُوا؛ فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا» .

قَالُوا: وَالتَّكَلُّفُ وَالتَّعَمُّلُ فِي أَوَائِلِ السَّيْرِ وَالسُّلُوكِ لَا بُدَّ مِنْهُ. إِذْ لَا يُطَالَبُ صَاحِبُهُ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ صَاحِبُ الْحَالِ. وَمَنْ تَأَمَّلَهُ بِنِيَّةِ حُصُولِ الْحَقِيقَةِ لِمَنْ رَصَدَ الْوَجْدَ لَا يُذَمُّ. وَالتَّوَاجُدُ يَكُونُ بِمَا يَتَكَلَّفُهُ الْعَبْدُ مِنْ حَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ " وَالْمَوَاجِيدُ " لِمَنْ يَتَأَوَّلُهُ مِنْ أَحْكَامٍ بَاطِنَةٍ.

الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَوَاجِيدُ، وَهِيَ نَتَائِجُ الْأَوْرَادِ وَثَمَرَتُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>