للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ: فَأَفْنَاهُ عَنْهُ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ: أَنْسَاهُ اسْمَهُ. لِأَنَّ الِاسْمَ تَبَعٌ لِلْحَقِيقَةِ. فَإِذَا سَلَبَ الْحَقِيقَةَ نَسِيَ اسْمَهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْلُبْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ أَبْقَى مِنْهُ رَسْمًا، فَهُوَ مُعَارٌ عِنْدَهُ بِصَدَدِ الِاسْتِرْجَاعِ. فَإِنَّ الْعَوَارِيَ يُوشِكُ أَنْ تُسْتَرَدَّ. وَيُشِيرُ بِالْأَوَّلِ: إِلَى حَالَةِ الْفَنَاءِ الْكَامِلِ. وَبِالثَّانِي: إِلَى حَالَةِ الْغَيْبَةِ الَّتِي يَؤُوبُ مِنْهَا غَائِبُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّهْشُ]

[حَقِيقَةُ الدَّهْشِ]

فَصْلٌ الدَّهْشُ

وَقَدْ تَعْرِضُ لِلسَّالِكِ دَهْشَةٌ فِي حَالِ سُلُوكِهِ، شَبِيهَةٌ بِالْبَهْتَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْعَبْدِ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ رُؤْيَةِ مَحْبُوبِهِ. وَلَيْسَتْ مِنْ مَنَازِلِ السُّلُوكِ. خِلَافًا لِأَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ حَيْثُ جَعَلَهَا مِنَ الْمَنَازِلِ. بَلْ مِنْ غَايَاتِهَا. فَإِنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي كَلَامِ السَّالِكِينَ. وَلَا عَدَّهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالْمَقَامَاتِ. وَلِهَذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَيْهَا سِوَى حَالِ النِّسْوَةِ مَعَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ.

فَصَدَّرَ الْبَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: ٣١] أَيْ أَعْظَمْنَهُ.

فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ: مَا حَصَلَ لَهُنَّ مِنْ إِعْظَامِهِ وَإِجْلَالِهِ: فَذَلِكَ مَنْزِلَةُ التَّعْظِيمِ. وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ: مَا تَرَتَّبَ عَلَى رُؤْيَتِهِ لَهُنَّ، مِنْ غَيْبَتِهِنَّ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ وَعَنْ أَيْدِيهِنَّ، وَمَا فِيهَا حَتَّى قَطَّعْنَهَا: فَتِلْكَ مَنْزِلَةُ الْفَنَاءِ.

وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ: الدَّهْشَةَ وَالْبَهْتَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُنَّ عِنْدَ مُفَاجَأَتِهِ - وَهُوَ الَّذِي قَصَدَهُ - فَذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ مِنْ عَوَارِضِ الطَّرِيقِ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى صَبْرِ الْإِنْسَانِ وَعَقْلِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ مِنْ عَوَارِضِ الطَّرِيقِ لَيْسَ بِمَقَامٍ لِلسَّالِكِينَ، وَلَا مَنْزِلٍ مَطْلُوبٍ لَهُمْ. فَعَوَارِضُ الطَّرِيقِ شَيْءٌ. وَمَنَازِلُهَا وَمَقَامَاتُهَا شَيْءٌ.

فَلِهَذَا قَالَ فِي تَعْرِيفِهِ الدَّهْشَ: بَهْتَةٌ تَأْخُذُ الْعَبْدَ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ صَبْرِهِ، أَوْ عِلْمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>