للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَلَالَةُ الْقُرْآنِ سَمْعِيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ.

فَصْلٌ

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

قَوْلُهُ: " وَيُوجَدُ بِتَبْصِيرِ الْحَقِّ، وُجُوبُ الشَّيْءِ شَرْعًا لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ حِسًّا، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ مَا يُوجَدُ بِهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَجِبُ بِهِ، وَهُوَ تَبْصِيرُ الْحَقِّ تَعَالَى، وَمُرَادُهُ: التَّبْصِيرُ التَّامُّ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ عَنْهُ الْهِدَايَةُ، وَإِلَّا فَقَدْ يُبْصِرُ الْعَبْدُ الْحَقَّ وَلَا تُوجَدُ مِنْهُ الْهِدَايَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧] فَهُوَ - سُبْحَانَهُ - بَصَّرَهُمْ، فَآثَرُوا الضَّلَالَ عَلَى الْهُدَى، وَقَالَ تَعَالَى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: ٣٨] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤] فَهَذَا التَّبْصِيرُ لَمْ يُوجِبْ وُجُودَ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُرِدْ وُجُودَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ وُجُودَ مُجَرَّدِ الْبَصِيرَةِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

وَأَمَّا التَّبْصِيرُ التَّامُّ: فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَهُ إِيَّاهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ فِيهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: ٢٥] فَعَمَّ بِدَعْوَتِهِ الْبَيَانَ وَالدَّلَالَةَ، وَخَصَّ بِهِدَايَتِهِ التَّوْفِيقَ وَالْإِلْهَامَ، فَلَوْ قَالَ الشَّيْخُ: وَيُوجَدُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ بَعْدَ تَبْصِيرِهِ، لَكَانَ أَحْسَنَ، وَلَعَلَّهُ هُوَ مُرَادُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

قَوْلُهُ: " وَيَنْمُو عَلَى مُشَاهَدَةِ الشَّوَاهِدِ " وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَاجُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ الْإِجَابَةُ لِدَاعِي الْحَقِّ، فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ مُشَاهَدَةِ الشَّوَاهِدِ فِي نُمُوِّهِ {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: ١٠٥] يَمُرُّ عَلَيْهَا الْعَبْدُ وَلَا يَنْمُو بِهَا وَلَا يَزِيدُ، بَلْ يَنْقُصُ إِيمَانُهُ وَتَوْحِيدُهُ، فَإِذَا أَجَابَ الدَّاعِي وَتَبَصَّرَ فِي الشَّوَاهِدِ نَمَا تَوْحِيدُهُ، وَقَوِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>