للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسِوَى مَطْلُوبِهِ لَا يَعْدِمُ مِنْهُ حِجَابًا، أَوْ وَقْفَةً، أَوْ نَكْسَةً، عَلَى حَسَبِ بُعْدِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ مَطْلُوبِهِ، وَقُوَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَضَعْفِهِ.

وَإِنَّمَا كَانَ خَشْيَةً لِلْخَاصَّةِ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلَى مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْقُرْبِ وَالْأُنْسِ بِاللَّهِ، وَقُرَّةِ عُيُونِهِمْ بِهِ أَنْ يَتَكَدَّرَ عَلَيْهِمْ صَفْوُهُ بِالْتِفَاتِهِمْ إِلَى مَا سِوَى اللَّهِ. فَزُهْدُهُمْ خَشْيَةٌ وَخَوْفٌ.

[دَرَجَاتُ الزُّهْدِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الزُّهْدُ فِي الشُّبْهَةِ]

قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى الزُّهْدُ فِي الشُّبْهَةِ. بَعْدَ تَرْكِ الْحَرَامِ بِالْحَذَرِ مِنَ الْمَعْتَبَةِ، وَالْأَنَفَةِ مِنَ الْمَنْقَصَةِ، وَكَرَاهَةِ مُشَارَكَةِ الْفُسَّاقِ.

أَمَّا الزُّهْدُ فِي الشُّبْهَةِ فَهُوَ تَرْكُ مَا يُشْتَبَهُ عَلَى الْعَبْدِ هَلْ هُوَ حَلَالٌ، أَوْ حَرَامٌ؟ كَمَا فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ. وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ. وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ. لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَمَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اتَّقَى الْحَرَامَ. وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبَهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى. يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى. أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ. وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ. أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» .

فَالشُّبُهَاتُ بَرْزَخٌ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ كُلِّ مُتَبَايِنَيْنِ بَرْزَخًا، كَمَا جَعَلَ الْمَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ بَرْزَخًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَجَعَلَ الْمَعَاصِيَ بَرْزَخًا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ. وَجَعَلَ الْأَعْرَافَ بَرْزَخًا بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وَكَذَلِكَ جَعَلَ بَيْنَ كُلِّ مَشْعَرَيْنِ مِنْ مَشَاعِرَ الْمَنَاسِكِ بَرْزَخًا حَاجِزًا بَيْنَهُمَا لَيْسَ مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا. فَمُحَسِّرٌ بَرْزَخٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَبِيتُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>