للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْرَيْنِ قَطُّ أَنْ يَكُونَ رَحْمَانًا رَحِيمًا وَيُعَاقِبُ الْعَبْدَ عَلَى مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ، بَلْ يُكَلِّفُهُ مَا لَا يُطِيقُهُ، وَلَا لَهُ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ الْبَتَّةَ، ثُمَّ يُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا ضِدُّ الرَّحْمَةِ، وَنَقْضٌ لَهَا وَإِبْطَالٌ؟ وَهَلْ يَصِحُّ فِي مَعْقُولِ أَحَدٍ اجْتِمَاعُ ذَلِكَ وَالرَّحْمَةِ التَّامَّةِ الْكَامِلَةِ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ؟ .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِثْبَاتُ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ لَهُمْ، وَنِسْبَتُهَا إِلَيْهِمْ، بِقَوْلِهِمْ " نَعْبُدُ، وَنَسْتَعِينُ " وَهِيَ نِسْبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَا مَجَازِيَّةٌ، وَاللَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْعَالِ عَبِيدِهِ، بَلِ الْعَبْدُ حَقِيقَةً هُوَ الْعَابِدُ الْمُسْتَعِينُ، وَاللَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ الْمُسْتَعَانُ بِهِ.

[فَصْلٌ فِي تَضَمُّنِهَا الرَّدَّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَالْمَشِيئَةِ]

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ تُضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْمُوجَبِ بِالذَّاتِ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَالْمَشِيئَةِ، وَبَيَانِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: مِنْ إِثْبَاتِ حَمْدِهِ، إِذْ كَيْفَ يُحْمَدُ عَلَى مَا لَيْسَ مُخْتَارًا لِوُجُودِهِ، وَلَا هُوَ بِمَشِيئَتِهِ وَفِعْلِهِ؟ وَهَلْ يَصِحُّ حَمْدُ الْمَاءِ عَلَى آثَارِهِ وَمُوجَبَاتِهِ؟ أَوِ النَّارِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهَا فِي عَقْلٍ أَوْ فِطْرَةٍ؟ وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ عَلَى أَفْعَالِهِ الْحَمِيدَةِ، هَذَا الَّذِي لَيْسَ يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ سِوَاهُ، فَخِلَافُهُ خَارِجٌ عَنِ الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ وَهُوَ لَا يُنْكِرُ خُرُوجَهُ عَنِ الشَّرَائِعِ وَالنُّبُوَّاتِ، بَلْ يَتَبَجَّحُ بِذَلِكَ وَيَعُدُّهُ فَخْرًا.

الثَّانِي: إِثْبَاتُ رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى يَقْتَضِي فِعْلَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَتَدْبِيرِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي عَقْلٍ وَلَا فِطْرَةٍ رُبُوبِيَّةُ الشَّمْسِ لِضَوْئِهَا، وَالْمَاءِ لِتَبْرِيدِهِ، وَلِلنَّبَاتِ الْحَاصِلِ بِهِ، وَلَا رُبُوبِيَّةُ شَيْءٍ أَبَدًا لِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا تَصْرِيحٌ بِجَحْدِ الرُّبُوبِيَّةِ؟

فَالْقَوْمُ كَنَّوْا لِلْأَغْمَارِ، وَصَرَّحُوا لِأُولِي الْأَفْهَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>