للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: الصَّبْرُ لِلَّهِ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى الصَّبْرِ مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَإِرَادَةَ وَجْهِهِ. وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ. لَا لِإِظْهَارِهِ قُوَّةَ النَّفْسِ، وَالِاسْتِحْمَادَ إِلَى الْخَلْقِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَاضِ.

وَالثَّالِثُ: الصَّبْرُ مَعَ اللَّهِ. وَهُوَ دَوَرَانُ الْعَبْدِ مَعَ مُرَادِ اللَّهِ الدِّينِيِّ مِنْهُ. وَمَعَ أَحْكَامِهِ الدِّينِيَّةِ. صَابِرًا نَفْسَهُ مَعَهَا، سَائِرًا بِسَيْرِهَا. مُقِيمًا بِإِقَامَتِهَا. يَتَوَجَّهُ مَعَهَا أَيْنَ تَوَجَّهَتْ رَكَائِبُهَا. وَيَنْزِلُ مَعَهَا أَيْنَ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهَا.

فَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ صَابِرًا مَعَ اللَّهِ؛ أَيْ قَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ وَقْفًا عَلَى أَوَامِرِهِ وَمَحَابِّهِ. وَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ وَأَصْعَبِهَا. وَهُوَ صَبْرُ الصِّدِّيقِينَ.

قَالَ الْجُنَيْدُ: الْمَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ سَهْلٌ هَيِّنٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ. وَهِجْرَانُ الْخَلْقِ فِي جَنْبِ اللَّهِ شَدِيدٌ، وَالْمَسِيرُ مِنَ النَّفْسِ إِلَى اللَّهِ صَعْبٌ شَدِيدٌ. وَالصَّبْرُ مَعَ اللَّهِ أَشَدُّ.

وَسُئِلَ عَنِ الصَّبْرِ؟ فَقَالَ: تَجَرُّعُ الْمَرَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّسٍ.

قَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: الصَّبْرُ: التَّبَاعُدُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ. وَالسُّكُونُ عِنْدَ تَجَرُّعِ غُصَصِ الْبَلِيَّةِ. وَإِظْهَارُ الْغِنَى مَعَ حُلُولِ الْفَقْرِ بِسَاحَاتِ الْمَعِيشَةِ.

وَقِيلَ: الصَّبْرُ: الْوُقُوفُ مَعَ الْبَلَاءِ بِحُسْنِ الْأَدَبِ.

وَقِيلَ: هُوَ الْفَنَاءُ فِي الْبَلْوَى، بِلَا ظُهُورٍ وَلَا شَكْوَى.

وَقِيلَ: تَعْوِيدُ النَّفْسِ الْهُجُومَ عَلَى الْمَكَارِهِ.

وَقِيلَ: الْمُقَامُ مَعَ الْبَلَاءِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، كَالْمُقَامِ مَعَ الْعَافِيَةِ.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: هُوَ الثَّبَاتُ مَعَ اللَّهِ، وَتَلَقِّي بَلَائِهِ بِالرَّحْبِ وَالدَّعَةِ.

وَقَالَ الْخَوَّاصُ: هُوَ الثَّبَاتُ عَلَى أَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: صَبْرُ الْمُحِبِّينَ أَشَدُّ مِنْ صَبْرِ الزَّاهِدِينَ. وَاعَجَبًا! كَيْفَ يَصْبِرُونَ؟ وَأَنْشَدَ:

وَالصَّبْرُ يَجْمُلُ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا ... إِلَّا عَلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْمُلُ

وَقِيلَ: الصَّبْرُ هُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>