للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَطَرِيقُ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ: تُسَيِّرُ الْعَبْدَ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِهِ. فَيُصْبِحُ أَمَامَ الرَّكْبِ بِمَرَاحِلَ.

وَثَمَرَةُ الرِّضَا: الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ بِالرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَرَأَيْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي الْمَنَامِ. وَكَأَنِّي ذَكَرْتُ لَهُ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ. وَأَخَذْتُ فِي تَعْظِيمِهِ وَمَنْفَعَتِهِ - لَا أَذْكُرُهُ الْآنَ - فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَطَرِيقَتِيَ: الْفَرَحُ بِاللَّهِ، وَالسُّرُورُ بِهِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْعِبَارَةِ.

وَهَكَذَا كَانَتْ حَالُهُ فِي الْحَيَاةِ. يَبْدُو ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَيُنَادِي بِهِ عَلَيْهِ حَالُهُ. لَكِنْ قَدْ قَالَ الْوَاسِطِيٌّ: اسْتَعْمِلِ الرِّضَا جُهْدَكَ. وَلَا تَدَعِ الرِّضَا يَسْتَعْمِلُكِ، فَتَكُونَ مَحْجُوبًا بِلَذَّتِهِ وَرُؤْيَتِهِ عَنْ حَقِيقَةِ مَا تُطَالِعُ.

وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْوَاسِطِيُّ هُوَ عَقَبَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْقَوْمِ، وَمَقْطَعٌ لَهُمْ. فَإِنَّ مُسَاكَنَةَ الْأَحْوَالِ، وَالسُّكُونَ إِلَيْهَا، وَالْوُقُوفَ عِنْدَهَا اسْتِلْذَاذًا وَمَحَبَّةً: حِجَابٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ بِحُظُوظِهِمْ عَنْ مُطَالَعَةِ حُقُوقِ مَحْبُوبِهِمْ وَمَعْبُودِهِمْ. وَهِيَ عَقْبَةٌ لَا يَحُوزُهَا إِلَّا أُولُو الْعَزَائِمِ.

وَكَانَ الْوَاسِطِيُّ كَثِيرَ التَّحْذِيرِ مِنْ هَذِهِ الْعَقَبَةِ. شَدِيدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا.

وَمِنْ كَلَامِهِ: إِيَّاكُمْ وَاسْتِحْلَاءَ الطَّاعَاتِ. فَإِنَّهَا سُمُومٌ قَاتِلَةٌ.

فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: اسْتَعْمِلِ الرِّضَا جُهْدَكَ. وَلَا تَدَعِ الرِّضَا يَسْتَعْمِلُكَ أَيْ لَا يَكُونُ عَمَلُكَ لِأَجْلِ حُصُولِ حَلَاوَةِ الرِّضَا، بِحَيْثُ تَكُونُ هِيَ الْبَاعِثَةَ لَكَ عَلَيْهِ. بَلِ اجْعَلْهُ آلَةً لَكَ وَسَبَبًا مُوصِلًا إِلَى قَصْدِكَ وَمَطْلُوبِكَ. فَتَكُونَ مُسْتَعْمِلًا لَهُ، لَا أَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَكَ.

وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالرِّضَا، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي يَسْكُنُ إِلَيْهَا الْقَلْبُ، حَتَّى إِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ عَامِلًا عَلَى الْمَحَبَّةِ لِأَجْلِ الْمَحَبَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ وَالنَّعِيمِ بِهِ. بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْمَحَبَّةَ فِي مَرْضَاةِ الْمَحْبُوبِ، لَا يَقِفُ عِنْدَهَا. فَهَذَا مِنْ عِلَلِ الْمَحَبَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>