للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ إِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الصَّبْرِ الْمَحْمُودِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى جَزَعٍ وَهَلَعٍ وَجَشَعٍ وَتَسَخُّطٍ، وَإِمَّا إِلَى غِلْظَةِ كَبِدٍ، وَقَسْوَةِ قَلْبٍ، وَتَحَجُّرِ طَبْعٍ. كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

تَبْكِي عَلَيْنَا. وَلَا نَبْكِي عَلَى أَحَدٍ فَنَحْنُ أَغْلَظُ أَكْبَادًا مِنَ الْإِبِلِ. وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الْحِلْمِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى الطَّيْشِ وَالتَّرَفِ وَالْحِدَّةِ وَالْخِفَّةِ، وَإِمَّا إِلَى الذُّلِّ وَالْمَهَانَةِ وَالْحَقَارَةِ. فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ حِلْمُهُ حِلْمُ ذُلٍّ وَمَهَانَةٍ وَحَقَارَةٍ وَعَجْزٍ، وَبَيْنَ مَنْ حِلْمُهُ حِلْمُ اقْتِدَارٍ وَعَزَّةٍ وَشَرَفٍ. كَمَا قِيلَ:

كُلُّ حِلْمٍ أَتَى بِغَيْرِ اقْتِدَارٍ ... حُجَّةٌ لَاجِئٌ إِلَيْهَا اللِّئَامُ

وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى عَجَلَةٍ وَطَيْشٍ وَعُنْفٍ، وَإِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإِضَاعَةٍ. وَالرِّفْقُ وَالْأَنَاةُ بَيْنَهُمَا.

وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الْعِزَّةِ الَّتِي وَهَبَهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى كِبْرٍ، وَإِمَّا إِلَى ذُلٍّ. وَالْعِزَّةُ الْمَحْمُودَةُ بَيْنَهُمَا.

وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الشَّجَاعَةِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى تَهَوُّرٍ وَإِقْدَامٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ، وَإِمَّا إِلَى جُبْنٍ وَتَأَخُّرٍ مَذْمُومٍ.

وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الْمُنَافَسَةِ فِي الْمَرَاتِبِ الْعَالِيَةِ وَالْغِبْطَةِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى حَسَدٍ، وَإِمَّا إِلَى مَهَانَةٍ، وَعَجْزٍ وَذُلٍّ وَرِضَا بِالدُّونِ.

وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنِ الْقَنَاعَةِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى حِرْصٍ وَكَلَبٍ، وَإِمَّا إِلَى خِسَّةٍ وَمَهَانَةٍ وَإِضَاعَةٍ.

وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الرَّحْمَةِ انْحَرَفَتْ: إِمَّا إِلَى قَسْوَةٍ، وَإِمَّا إِلَى ضَعْفِ قَلْبٍ وَجُبْنِ نَفْسٍ، كَمَنْ لَا يَقْدَمُ عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ، وَلَا إِقَامَةِ حَدٍّ، وَتَأْدِيبِ وَلَدٍ. وَيَزْعُمُ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ ذَبَحَ أَرْحَمُ الْخَلْقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً. وَقَطَعَ الْأَيْدِيَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَضَرَبَ الْأَعْنَاقَ. وَأَقَامَ الْحُدُودَ وَرَجَمَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ الْمَرْجُومُ. وَكَانَ أَرْحَمَ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَرْأَفَهُمْ.

وَكَذَلِكَ طَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَالْبِشْرُ الْمَحْمُودُ. فَإِنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَ التَّعْبِيسِ وَالتَّقْطِيبِ وَتَصْعِيرِ الْخَدِّ، وَطَيِّ الْبِشْرِ عَنِ الْبَشَرِ، وَبَيْنَ الِاسْتِرْسَالِ بِذَلِكَ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، بِحَيْثُ يُذْهِبُ الْهَيْبَةَ، وَيُزِيلُ الْوَقَارَ، وَيُطْمِعُ فِي الْجَانِبِ، كَمَا أَنَّ الِانْحِرَافَ الْأَوَّلَ يُوقِعُ الْوَحْشَةَ وَالْبَغْضَةَ، وَالنُّفْرَةَ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>