للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيُّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ. فَأَدْخَلَهُ دَارَهُ وَوَزَنَ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ وَجَدَ هِمْيَانَهُ، فَجَاءَ إِلَى جَعْفَرٍ مُعْتَذِرًا بِالْمَالِ. فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ. وَقَالَ: شَيْءٌ أَخْرَجْتُهُ مِنْ يَدِي لَا أَسْتَرِدُّهُ أَبَدًا. فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّاسِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْفُتُوَّةِ]

فَصْلٌ

قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ":

نُكْتَةُ الْفُتُوَّةِ: أَنْ لَا تَشْهَدَ لَكَ فَضْلًا. وَلَا تَرَى لَكَ حَقًّا.

يَقُولُ: قَلْبُ الْفُتُوَّةِ، وَإِنْسَانُ عَيْنِهَا: أَنْ تَفْنَى بِشَهَادَةِ نَقْصِكَ، وَعَيْبِكَ عَنْ فَضْلِكَ. وَتَغِيبَ بِشَهَادَةِ حُقُوقِ الْخَلْقِ عَلَيْكَ عَنْ شَهَادَةِ حُقُوقِكَ عَلَيْهِمْ.

وَالنَّاسُ فِي هَذَا مَرَاتِبُ. فَأَشْرَفُهَا: أَهْلُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ. وَأَخَسُّهَا: عَكْسُهُمْ. وَهُمْ أَهْلُ الْفَنَاءِ فِي شُهُودِ فَضَائِلِهِمْ عَنْ عُيُوبِهِمْ. وَشُهُودِ حُقُوقِهِمْ عَلَى النَّاسِ عَنْ شُهُودِ حُقُوقِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ.

وَأَوْسَطُهُمْ: مَنْ شَهِدَ هَذَا وَهَذَا. فَيَشْهَدُ مَا فِي الْعَيْبِ وَالْكَمَالِ. وَيَشْهَدُ حُقُوقَ النَّاسِ عَلَيْهِ وَحُقُوقَهُ عَلَيْهِمْ.

[دَرَجَاتُ الْفُتُوَّةِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَرْكُ الْخُصُومَةِ]

قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: تَرْكُ الْخُصُومَةِ. وَالتَّغَافُلُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَنِسْيَانُ الْأَذِيَّةِ.

هَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنْ بَابِ التَّرْكِ وَالتَّخَلِّي. وَهِيَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ أَحَدًا. فَلَا يُنَصِّبُ نَفْسَهُ خَصْمًا لِأَحَدٍ غَيْرَهَا. فَهِيَ خَصْمُهُ.

وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةُ أَيْضًا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ. لَا يُخَاصِمُ بِلِسَانِهِ. وَلَا يَنْوِي الْخُصُومَةَ بِقَلْبِهِ. وَلَا يُخْطِرُهَا عَلَى بَالِهِ. هَذَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ.

وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّهِ: فَالْفُتُوَّةُ أَنْ يُخَاصِمَ بِاللَّهِ وَفِي اللَّهِ. وَيُحَاكِمَ إِلَى اللَّهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: «وَبِكَ خَاصَمْتُ. وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ» وَهَذِهِ دَرَجَةُ فُتُوَّةِ الْعُلَمَاءِ الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا التَّغَافُلُ عَنِ الزَّلَّةِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مِنْ أَحَدٍ زَلَّةً يُوجِبُ عَلَيْهِ الشَّرْعُ أَخْذَهُ بِهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>