للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دَرَجَاتُ الْعَزْمِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى إِبَاءُ الْحَالِ عَلَى الْعِلْمِ]

قَالَ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: إِبَاءُ الْحَالِ عَلَى الْعِلْمِ، لِشَيْمِ بَرْقِ الْكَشْفِ، وَاسْتِدَامَةِ نُورِ الْأُنْسِ، وَالْإِجَابَةِ لِإِمَاتَةِ الْهَوَى.

يُرِيدُ بِ " إِبَاءِ الْحَالِ عَلَى الْعِلْمِ ": اسْتِعْصَاؤَهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ: تَأْبَى عَلَيْهِ حَالُهُ أَنْ يَنْزِلَ مِنْهُ إِلَى دَرَجَةِ الْعِلْمِ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّ الصُّعُوبَةِ. وَهُوَ انْحِطَاطٌ فِي رُتْبَتِهِ.

وَلَا يُرِيدُ امْتِنَاعَ الْحَالِ عَنْ طَاعَةِ الْعِلْمِ وَتَحْكِيمِهِ. فَإِنَّ هَذَا انْحِلَالٌ، وَانْسِلَاخٌ مِنَ الطَّرِيقِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَكُلُّ حَالٍ لَا يُطِيعُ الْعِلْمَ وَلَا يُحَكِّمَهُ فَهُوَ حَالٌ فَاسِدٌ، مُبْعِدٌ عَنِ اللَّهِ. لَكِنَّ مَنْ وَصَلَ إِلَى حَالِ الْعِلْمِ يَحْجُبُهُ حَالُهُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى دَرَجَةِ الْعِلْمِ. وَيَنْحَطَّ إِلَيْهَا بِلَا حَالٍ.

فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ هَذَا الْمَعْنَى: فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ: امْتِنَاعَ الْحَالِ عَنْ طَاعَةِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يَدْعُو إِلَى أَحْكَامِ الْغَيْبَةِ وَالْحِجَابِ. وَالْحَالَ يَدْعُو إِلَى أُنْسِ الْكَشْفِ وَالْحُضُورِ. فَصَاحِبُ الْحَالِ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْعِلْمِ - فَبَاطِلٌ. فَإِنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي الْحَالِ تَسْتَحِيلُ مَعْرِفَةُ صِحَّتِهِ بِدُونِهِ.

نَعَمْ لَا يُنْكَرُ حُصُولُهُ بِدُونِ الْعِلْمِ. لَكِنَّ صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ وَلَا وُثُوقٍ بِهِ.

وَشَيْمُ بَرْقِ الْكَشْفِ، هُوَ النَّظَرُ إِلَيْهِ عَلَى بُعْدٍ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْحَالِ: عَامِلٌ عَلَى شَيْمِ بِرْقِ الْكَشْفِ. لِأَنَّ شَيْمَ بَرْقِ الْكَشْفِ: يُوجِبُ نُورًا يَأْنَسُ بِهِ الْقَلْبُ. فَعَزِيمَةُ صَاحِبِهِ: عَلَى اسْتَدَامَتِهِ وَحِفْظِهِ.

وَأَمَّا الْإِجَابَةُ لِإِمَاتَةِ الْهَوَى.

فَهُوَ أَنَّ السَّالِكَ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْكَشْفِ: أَحَسَّ بِحَالَةٍ شَبِيهَةٍ بِالْمَوْتِ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ إِلَى الْأَرْضِ. وَيَظُنُّ ذَلِكَ مَوْتًا. وَهَذِهِ الْحَالُ مِنْ مَبَادِئِ الْفَنَاءِ فَتَهْوَى نَفْسُهُ الْعَوْدَ إِلَى الْحِجَابِ، خَوْفًا مِنْ الِانْعِدَامِ، لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ. فَإِذَا حَصَلَ الْعَزْمُ أُمِيتَ هَذَا الْهَوَى، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، رَغْبَةً فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ الْفَنَاءِ فِي الْفَرْدَانِيَّةِ. فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَبْدَأُ إِلَّا بَعْدَ فَنَاءِ الْبَشَرِيَّةِ.

هَذَا الَّذِي قَالَهُ حَقٌّ. لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ لَمْ يَذُقْهُ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَأَنَّهُ غَايَةٌ أَوْ تَوَسُّطٌ أَوْ لَازَمٌ، أَوْ عَارِضٌ؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>