للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّرُورِ: أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَى الْجُرْأَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ: أَدَبَ التَّرَقِّي مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إِلَى مَا يَحْفَظُهُ عَلَيْهَا. وَلَا يُضَيِّعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ. كَمَا أَنَّ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى: لَا يُبَالِغُ بِهِ. بَلْ يَكُونُ خُرُوجُهُ مِنَ الْخَوْفِ إِلَى الْقَبْضِ، يَعْنِي لَا يُزَايِلُ الْخَوْفَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ قَبْضَهُ لَا يُؤَيِّسُهُ وَلَا يُقَنِّطُهُ. وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى مُخَالَفَةٍ وَلَا بَطَالَةٍ. وَكَذَلِكَ رَجَاؤُهُ لَا يَقْعُدُ بِهِ عَنْ مَيْدَانِ الْبَسْطِ. بَلْ يَكُونُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ. وَهَذِهِ حَالُ الْكَمَالِ. وَهِيَ السَّيْرُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ.

وَسُرُورُهُ: لَا يَقْعُدُ بِهِ عَنْ تَرَقِّيهِ إِلَى مَيْدَانِ مُشَاهَدَتِهِ، بَلْ يَرْقَى بِسُرُورِهِ إِلَى الْمُشَاهَدَةِ. وَيَرْجِعُ مِنْ رَجَائِهِ إِلَى الْبَسْطِ. وَمِنْ خَوْفِهِ إِلَى الْقَبْضِ.

وَمَقْصُودُهُ: أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَشْبَاحِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ إِلَى أَرْوَاحِهَا. فَإِنَّ الْخَوْفَ شَبَحٌ. وَالْقَبْضَ رُوحُهُ. وَالرَّجَاءَ شَبَحٌ، وَالْبَسْطَ رُوحُهُ. وَالسُّرُورَ شَبَحٌ، وَالْمُشَاهَدَةَ رُوحُهُ. فَيَكُونُ حَظَّهُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: أَرْوَاحُهَا وَحَقَائِقُهَا، لَا صُوَرُهَا وَرُسُومُهَا.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةُ الْأَدَبِ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: مَعْرِفَةُ الْأَدَبِ. ثُمَّ الْفَنَاءُ عَنِ التَّأَدُّبِ بِتَأْدِيبِ الْحَقِّ ثُمَّ الْخَلَاصُ مِنْ شُهُودِ أَعْبَاءِ الْأَدَبِ.

قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ الْأَدَبِ.

يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ. وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ. فَإِنَّهُ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى الْأَدَبِ فِي الدَّرَجَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. فَإِذَا عَرَفَهُ وَصَارَ لَهُ حَالًا. فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْنَى عَنْهُ، بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ شُهُودُ مَنْ أَقَامَهُ فِيهِ. فَيَنْسِبَهُ إِلَيْهِ تَعَالَى دُونَ نَفْسِهِ. وَيَفْنَى عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ، وَقِيَامِهَا بِالْأَدَبِ بِشُهُودِ الْفَضْلِ لِمَنْ أَقَامَهَا فِيهِ وَمِنَّتِهِ. فَهَذَا هُوَ الْفَنَاءُ عَنِ التَّأَدُّبِ بِتَأْدِيبِ الْحَقِّ.

قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخَلَاصُ مِنْ شُهُودِ أَعْبَاءِ الْأَدَبِ

يَعْنِي: أَنَّهُ يَفْنَى عَنْ مُشَاهَدَةِ الْأَدَبِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِاسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِ الْحَقِيقَةِ فِي حَضْرَةِ الْجَمْعِ الَّتِي غَيَّبَتْهُ عَنِ الْأَدَبِ. فَفَنَاؤُهُ عَنِ الْأَدَبِ فِيهَا: هُوَ الْأَدَبُ حَقِيقَةً.

فَيَسْتَرِيحُ حِينَئِذٍ مِنْ كُلْفَةِ حَمْلِ أَعْبَاءِ الْأَدَبِ وَأَثْقَالِهِ. لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَهُ فِي شُهُودِ الْحَقِيقَةِ لَمْ يُبْقِ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ أَعْبَاءِ الْأَدَبِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>