للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَى الْأَوَّلِ: الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ، وَعَلَى الثَّانِي: إِلَى الْمَفْعُولِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ تَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوُجُودِ الَّذِينَ إِذَا أَشَارُوا لَمْ يُشِيرُوا إِلَّا إِلَى الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا مَرْمَى.

وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَ أَخْبَارَهُمْ عَنِ الْمَعَارِفِ وَعَنِ الْمَطْلُوبِ إِشَارَاتٍ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَجَلُّ مَنْ أَنْ يُفْصَحَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ مُطَابِقَةٍ، وَشَأْنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ. فَالْكَامِلُ مَنْ إِشَارَتُهُ إِلَى الْغَايَةِ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ فَنِيَ عَنْ رَسْمِهِ وَهَوَاهُ وَحَظِّهِ. وَبَقِيَ بِرَبِّهِ وَمُرَادِهِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ وَكُلُّ أَحَدٍ، فَإِشَارَتُهُ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ وَهِمَّتِهِ. وَمَعَارِفُ الْقَوْمِ وَهِمَّتُهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ إِشَارَتِهِمْ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْفِرَاسَةِ]

[حَقِيقَةُ الْفِرَاسَةِ]

فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْفِرَاسَةِ

وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] مَنْزِلَةُ الْفِرَاسَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: ٧٥] قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُتَفَرِّسِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لِلنَّاظِرِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لِلْمُعْتَبِرِينَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِلْمُتَفَكِّرِينَ.

وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ النَّاظِرَ مَتَى نَظَرَ فِي آثَارِ دِيَارِ الْمُكَذِّبِينَ وَمَنَازِلِهِمْ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ: أَوْرَثَهُ فِرَاسَةً وَعِبْرَةً وَفِكْرَةً. وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠] . فَالْأَوَّلُ: فِرَاسَةُ النَّظَرِ وَالْعَيْنِ. وَالثَّانِي: فِرَاسَةُ الْأُذُنِ وَالسَّمْعِ.

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: عَلَّقَ مَعْرِفَتَهُ إِيَّاهُمْ بِالنَّظَرِ عَلَى الْمَشِيئَةِ، وَلَمْ يُعَلِّقْ تَعْرِيفَهُمْ بِلَحْنِ خِطَابِهِمْ عَلَى شَرْطٍ. بَلْ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا مُؤَكَّدًا بِالْقَسَمِ. فَقَالَ: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَهُوَ تَعْرِيضُ الْخِطَابِ، وَفَحْوَى الْكَلَامِ وَمَغْزَاهُ.

وَاللَّحْنُ ضَرْبَانِ: صَوَابٌ وَخَطَأٌ. فَلَحْنُ الصَّوَابِ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: الْفِطْنَةُ. وَمِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>