للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: هَكَذَا - وَوَضَعَ الْإِبْهَامَ عَلَى الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى مِنَ الْخِنْصَرِ - فَسَاخَ الْجَبَلُ» . وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ اسْتَعْظَمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: تُحَدِّثُ بِهَذَا؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ. وَقَالَ: يُحَدِّثُ بِهِ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُنْكِرُهُ أَنْتَ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهِ؟

فَإِذَا شَهِدَ لَكَ الْمَخْدُوعُونَ بِأَنَّكَ مَحْجُوبٌ عَنْ تُرَّهَاتِهِمْ وَخَيَالَاتِهِمْ، فَتِلْكَ الشَّهَادَةُ لَكَ بِالِاسْتِقَامَةِ. فَلَا تَسْتَوْحِشْ مِنْهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.

[فَصْلٌ طُمَأْنِينَةُ الْجَمْعِ إِلَى الْبَقَاءِ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا طُمَأْنِينَةُ الْجَمْعِ إِلَى الْبَقَاءِ فَمَشْهَدٌ شَرِيفٌ فَاضِلٌ. وَهُوَ مَشْهَدُ الْكُمَّلِ. فَإِنَّ حَضْرَةَ الْجَمْعِ تُعْفِي الْآثَارَ، وَتَمْحُو الْأَغْيَارَ. وَتَحُولُ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ لِلْخَلْقِ. فَيَرَى الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ قَائِمًا بِذَاتِهِ. وَيَرَى كُلَّ شَيْءٍ قَائِمًا بِهِ، مُتَوَحِّدًا فِي كَثْرَةِ أَسْمَائِهِ وَأَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ. وَلَا يَرَى مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَا يَشْهَدُهُ عَكْسَ حَالِ مَنْ يَشْهَدُ غَيْرَهُ. وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي هَذَا الشُّهُودِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ فِي مَقَامِ الْفَنَاءِ. فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْهُ إِلَى مَقَامِ الْبَقَاءِ وَإِلَّا انْقَطَعَ انْقِطَاعًا كُلِّيًّا. فَفِي هَذَا الْمَقَامِ: إِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَى حُصُولِ الْبَقَاءِ وَإِلَّا عَطَّلَ الْأَمْرَ. وَخَلَعَ رِبْقَةَ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ عُنُقِهِ. فَإِذَا اطْمَأَنَّ إِلَى الْبَقَاءِ طُمَأْنِينَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ وَإِلَّا فَسَدَ وَهَلَكَ - كَانَ هَذَا مِنْ طُمَأْنِينَةِ الْجَمْعِ إِلَى الْبَقَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ طُمَأْنِينَةُ الْمَقَامِ إِلَى نُورِ الْأَزَلِ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا طُمَأْنِينَةُ الْمَقَامِ إِلَى نُورِ الْأَزَلِ

فَيُرِيدُ بِهِ: طُمَأْنِينَةَ مَقَامِهِ إِلَى السَّابِقَةِ الَّتِي سَبَقَ بِهَا الْأَزَلُ. فَلَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَتَبَدَّلُ وَلِهَذَا قَالَ: طُمَأْنِينَةُ الْمَقَامِ. وَلَمْ يَقُلْ: طُمَأْنِينَةَ الْحَالِ. فَإِنَّ الْحَالَ يَزُولُ وَيَحُولُ، وَلَوْ لَمْ يَحُلْ لَمَا سُمِّيَ حَالًا، بِخِلَافِ الْمَقَامِ.

فَإِذَا اطْمَأَنَّ إِلَى السَّابِقَةِ وَالْحُسْنَى الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ. كَانَ هَذَا طُمَأْنِينَةَ الْمَقَامِ إِلَى الْأَزَلِ. وَهَذَا هُوَ شُهُودُ أَهْلِ الْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>