للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثنتين، قَالَ ثُمَّ غَزَا بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزَا أُحُدًا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ هِيَ قَبْلَ أُحُدٍ، قَالَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَيْضًا (٥) .

قُلْتُ: هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ بِئْرَ مَعُونَةَ وَرُجُوعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَقَتْلَهُ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَلَمْ يَشْعُرْ بِعَهْدِهِمَا الَّذِي مَعْهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَقَدْ قَتَلْتَ رَجُلَيْنِ لَأَدِيَنَّهُمَا ".

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ لِلْعَهْدِ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمَا، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِرٍ عَهْدٌ وَحِلْفٌ، فَلَّمَا أَتَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القاسم نعينك عى مَا أَحْبَبْتَ، ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مُثُلِ حَالِهِ هَذِهِ - وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ - فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً وَيُرِيحَنَا مِنْهُ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ.

فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَامَ

وَخَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.

فَلَمَّا اسْتَلْبَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، قَامُوا فِي طَلَبِهِ فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ رَأَيْتُهُ دَاخِلًا الْمَدِينَةَ.

فَأَقْبَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، بِمَا كَانَتْ يَهُودُ أَرَادَتْ مِنَ الْغَدْرِ بِهِ (٢) ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم محمَّد بْنَ مَسْلَمَةَ يَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ جِوَارِهِ وَبَلَدِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ النِّفَاقِ يُثَبِّتُونَهُمْ وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْمَقَامِ وَيَعِدُونَهُمُ النَّصْرَ، فَقَوِيَتْ عِنْدَ ذَلِكَ نفوسهم وحمى حيي بن أحطب وَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ وَنَابَذُوهُ بِنَقْضِ الْعُهُودِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَاصَرُوهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً (٣) .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَرَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتهيوء لِحَرْبِهِمْ وَالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَنَزَلَ تحريم الخمر حينئذ، وتحصنوا فِي الْحُصُونِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخِيلِ وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: أَنْ يَا محمَّد قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الفساد، وتعيب مَنْ صَنَعَهُ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخِيلِ وَتَحْرِيقِهَا، قَالَ وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيٍّ ووديعة ومالك [بن أبي قوقل] وَسُوِيدٌ وَدَاعِسٌ قَدْ بَعَثُوا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ أَنِ اثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا، فَإِنَّا لَنْ نُسْلِمَكُمْ، إِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ.

فَتَرَبَّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَذَفَ الله في قلوبهم الرعب، فسألوا


(١) دلائل النبوة ج ٣ / ٣٥٤.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٣ / ٢٠١.
(٣) في الواقدي ١ / ٣٧٤: يوما.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>