للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزهري: وكل قد حدثني بهذا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بعض وقد جمعت كُلَّ الَّذِي حَدَّثَنِي الْقَوْمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ نَفْسِهَا حِينٍ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَكُلٌّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، يُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ صَاحِبُهُ، وَكُلٌّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً، فَكُلُّهُمْ حَدَّثَ عَنْهَا بِمَا سَمِعَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ مَعَهُ فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَتْ: وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ يأكلن العلق (١) لم يهجهن اللَّحْمُ فَيَثْقُلْنَ، وَكُنْتُ إِذَا رَحَلَ لِي بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يرحلون لي فيحملونني، ويأخذون بِأَسْفَلِ الْهَوْدَجِ فَيَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَيَشُدُّونَهُ بِحِبَالِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ.

قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَجَّهَ قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ نَزَلَ مَنْزِلًا فَبَاتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي فِيهِ جَزْعُ (٢) ظفار، فلما فرغ انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَلَا أَدْرِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الرَّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدْهُ وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ، فَرَجَعْتُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ،

وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي، الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونَ لِيَ الْبَعِيرَ وَقَدْ كَانُوا فَرَغُوا مَنْ رِحْلَتِهِ، فأخذو الْهَوْدَجَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنِّي فِيهِ، كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَاحْتَمَلُوهُ فَشَدُّوهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَلَمْ يَشُكُّوا أَنِّي فِيهِ ثُمَّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ فَرَجَعْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، قَدِ انْطَلَقَ النَّاسُ.

قَالَتْ فَتَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي، وَعَرَفْتُ أَنْ لو افتقدت لرجع الناس إِلَيَّ.

قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَمُضْطَجِعَةٌ إِذْ مَرَّ بي صفوان (٣) بن المعطل السلمي وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته فَلَمْ يَبِتْ مَعَ النَّاسِ فَرَأَى سَوَادِي فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ظَعِينَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَأَنَا مُتَلَفِّفَةٌ فِي ثِيَابِي.

قَالَ مَا خَلَّفَكِ يَرْحَمُكِ اللَّهُ؟ قَالَتْ فَمَا كَلَّمْتُهُ.

ثُمَّ قَرَّبَ إِلَيَّ الْبَعِيرَ فَقَالَ: ارْكَبِي وَاسْتَأْخَرَ عَنِّي.

قَالَتْ فَرَكِبْتُ وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا يَطْلُبُ النَّاسَ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا افْتُقِدْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ وَنَزَلَ النَّاسُ فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا طَلَعَ الرَّجُلُ يَقُودُ بِي، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا وَارْتَجَّ العسكر


(١) العلق: جمع علقة، وهو الطعام القليل ما يسد به الرمق.
(٢) جزع: خرزيمان يصنع في ظفار، مدينة باليمن قرب صنعاء.
(٣) وهو صفوان بن المعطل بن وبيصة بن المؤمل بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهنة بن سليم ذكره الكلبي.
قال السهيلي: " كان صفوان على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده إليهم، ولذلك تخلف " وقيل إنه كان ثقيل النوم، ذكره أبو داود.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>