للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَرَهَا بِالرُّجُوعِ وبشَّرها أَنَّهَا سَتَلِدُ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ إِسْمَاعِيلَ وَيَكُونُ وَحْشَ النَّاسِ يَدُهُ عَلَى الْكُلِّ وَيَدُ الْكُلِّ بِهِ وَيَمْلِكُ جَمِيعَ بِلَادِ إِخْوَتِهِ فشكرت الله عزوجل عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ إِنَّمَا انْطَبَقَتْ عَلَى وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ الَّذِي سَادَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَمَلَكَتْ جَمِيعَ الْبِلَادِ غَرْبًا وَشَرْقًا وَأَتَاهَا اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ النَّافع والعمل الصالح ما لم تؤتَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِشَرَفِ رَسُولِهَا عَلَى سَائِرِ الرُّسُلِ وَبَرَكَةِ رِسَالَتِهِ وَيُمْنِ بِشَارَتِهِ وَكَمَالِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَعُمُومِ بَعْثَتِهِ لِجَمِيعِ أَهْلِ

الْأَرْضِ.

وَلَمَّا رَجَعَتْ هَاجَرُ وضعت إسماعيل عليه السلام قالوا وولدته وَلِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْعُمُرِ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً قَبْلَ مولد اسحق بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً * وَلَمَّا وُلِدَ إِسْمَاعِيلُ أَوْحَى الله إلى إبراهيم يبشره باسحق مِنْ سَارَةَ فَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَقَالَ لَهُ قَدِ اسْتَجَبْتُ لَكَ فِي إِسْمَاعِيلَ وَبَارَكْتُ عَلَيْهِ وكثَّرته ونميته (١) جداً كثيراً وَيُولَدُ لَهُ اثْنَا عَشَرَ عَظِيمًا * وَأَجْعَلُهُ رَئِيسًا لِشَعْبٍ عَظِيمٍ وَهَذِهِ أَيْضًا بِشَارَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْعَظِيمَةِ وَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ عَظِيمًا هُمُ الْخُلَفَاءُ الراشدون الِاثْنَا عَشَرَ المبشَّر بِهِمْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا " ثمَّ قَالَ كَلِمَةٌ لَمْ أَفْهَمْهَا فَسَأَلْتُ أَبِي مَا قَالَ قَالَ " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٢) .

وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ قَائِمًا وَفِي رِوَايَةٍ عَزِيزًا حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.

فهؤلاء منهم الأئمة الاربع أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ.

وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا.

وَمِنْهُمْ بَعْضُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ اثْنَيْ عَشَرَ نسقا بل لابد مِنْ وُجُودِهِمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَئِمَّةَ الِاثْنَيْ عَشَرَ الذين يَعْتَقِدُ فِيهِمْ الرَّافِضَةُ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخِرُهُمُ الْمُنْتَظِرُ بِسِرْدَابِ سَامَرَّا وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ فِيمَا يَزْعُمُونَ فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَنْفَعُ مِنْ عَلِيٍّ وَابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ تَرَكَ الْقِتَالَ وسلَّم الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ وَأَخْمَدَ نَارَ الْفِتْنَةِ وسكَّن رَحَى الْحُرُوبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقُونَ مِنْ جُمْلَةِ الرَّعَايَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُكْمٌ عَلَى الْأُمَّةِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ * وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُونَهُ بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس وَهَذَيَانٌ فِي النُّفُوسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَاجَرَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لَمَّا وُلِدَ لَهَا إِسْمَاعِيلُ اشْتَدَّتْ غَيْرَةُ سَارَةَ مِنْهَا وَطَلَبَتْ مِنَ الْخَلِيلِ أَنْ يُغَيِّبَ وَجْهَهَا عَنْهَا فَذَهَبَ بِهَا وَبِوَلَدِهَا فَسَارَ بِهِمَا حَتَّى وَضَعَهُمَا حَيْثُ مَكَّةَ الْيَوْمَ وَيُقَالُ إِنَّ وَلَدَهَا كَانَ إِذْ ذَاكَ رَضِيعًا فَلَمَّا تَرَكَهُمَا هُنَاكَ وَوَلَّى ظَهْرَهُ عَنْهُمَا قَامَتْ إِلَيْهِ هَاجَرُ وَتَعَلَّقَتْ بِثِيَابِهِ وَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وتدعنا ههنا وَلَيْسَ مَعَنَا مَا يَكْفِينَا فَلَمْ يُجِبْهَا فَلَمَّا ألحَّت عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجِيبُهَا قَالَتْ لَهُ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَتْ فَإِذًا لَا يُضَيِّعُنَا * وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيخ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فخلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها فأمرها


(١) كذا في النسخ المطبوعة، ونسخ قصص الانبياء لابن كثير ; ولعله ويمنته وهي أكثر مناسبة للسياق.
(٢) أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٦ / ٥١٩ والبخاري في ٩٣ كتاب الأحكام ٥١ باب الاستخلاف ومسلم في ٣٣ كتاب الامارة (١) باب الناس تبع لقريش ص ١٤٥٢.
وأبو داود في أوَّل كتاب المهدي، وأحمد في المسنده ٥ / ٩٢.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>