للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُرْتَفِعًا مِنَ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، أَوْ أَهْلُ بيت من جرهم، مقبلين من طريق كذا فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا " (١) فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى الْمَاءِ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا، قال: وأم اسمعيل عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا تَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ، قَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ * قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " فألقى ذلك أم اسمعيل وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ (٢) وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امرأة منهم (٣) وماتت أم اسمعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.

ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ وَشَكَتْ إِلَيْهِ * قَالَ: فَإِذَا جاء زوجك أقرئي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فلما جاء اسمعيل، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ

جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.

قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بشئ فقالت: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلام، وَيَقُولُ لك غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكَ أَبِي وَأَمَرَنِي أن أفارقك، فالحق بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى (٤) وَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ * ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ، وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ: الْمَاءُ.

قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ.

قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ (٥) .

وَلَوْ كَانَ لَهُمْ حب لدعا لهم فيه " [قال:] فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ (٦) .

قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثَبِّتْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ، قال الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ: فَأَوْصَاكِ بشئ قالت: نعم هو


(١) عائفا: باحثا عن الماء.
(٢) أنفسهم: زاحمهم في النفاسة وعلو الهمة.
(٣) وهي جداء بنت سعد، امرأة من جرهم وهي التي امره أبوه بتطليقها.
(٤) وهي رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وقيل اسمها السيدة.
(٥) حب، بكسر الحاء، إناء من فخار يحفظ فيه الماء.
(٦) كذا العبارة في الاصول والمعنى وغير مكتمل ; وفي العرائس للثعلبي ما يكتمل به المعنى: " فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت مكة أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا ".
(انظر الكامل لابن الاثير ١ / ١٠٤، الطبري ١ / ١٣٢) .
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>