للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قاتلوا بعد اليرموك أجنادين ثُمَّ بِفِحْلٍ مِنْ أَرْضِ الْغَوْرِ قَرِيبًا مِنْ بَيْسَانَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الرَّدْغَةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لكثرة ما لقوا من الأوحال فِيهَا، فَأَغْلَقُوهَا عَلَيْهِمْ، وَأَحَاطَ بِهَا الصَّحَابَةُ.

قَالَ: وَحِينَئِذٍ جَاءَتِ الْإِمَارَةُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ جِهَةِ عُمَرَ وَعُزِلَ خَالِدٌ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسحاق من مجئ الْإِمَارَةِ لِأَبِي عُبَيْدَةَ فِي حِصَارِ دِمَشْقَ هُوَ المشهور.

فَتَحِ دِمَشْقَ قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ لَمَّا ارْتَحَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الْيَرْمُوكِ فَنَزَلَ بِالْجُنُودِ عَلَى مَرْجِ الصُّفَّرِ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى حِصَارِ دمشق إذ أتاه الخبر بقدوم مددهم مِنْ حِمْصَ، وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الرُّومِ بِفِحْلٍ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَهُوَ لَا يَدْرِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ يَبْدَأُ.

فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَجَاءَ الْجَوَابُ أَنِ ابْدَأْ بِدِمَشْقَ فَإِنَّهَا حِصْنُ الشَّامِ وَبَيْتُ مَمْلَكَتِهِمْ، فَانْهَدْ لَهَا وَاشْغَلُوا عَنْكُمْ أَهْلَ فِحْلٍ بِخُيُولٍ تَكُونُ تِلْقَاءَهُمْ، فَإِنْ فَتَحَهَا اللَّهُ قَبْلَ دِمَشْقَ فَذَلِكَ الَّذِي نُحِبُّ، وَإِنْ فُتِحَتْ دِمَشْقُ قَبْلَهَا فَسِرْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ وَاسْتَخْلِفْ عَلَى دمشق، فإذا فتح الله عليكم فحل فَسِرْ أَنْتَ وَخَالِدٌ إِلَى حِمْصَ وَاتْرُكْ عَمْرًا وَشُرَحْبِيلَ عَلَى الْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ.

قَالَ: فَسَرَّحَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى فِحْلٍ عَشَرَةَ أُمَرَاءَ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ خَمْسَةُ أُمَرَاءَ وَعَلَى الْجَمِيعِ عُمَارَةُ بْنُ مخشى الصحابي، فَسَارُوا مِنْ مَرْجِ الصُّفَّرِ إِلَى فِحْلٍ فَوَجَدُوا الرُّومَ هُنَالِكَ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَقَدْ أَرْسَلُوا الْمِيَاهَ حَوْلَهُمْ حَتَّى أَرْدَغَتِ الْأَرْضُ فَسَمَّوْا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الرَّدْغَةَ، وَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى

الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوَّلَ حِصْنٍ فُتِحَ قَبِلَ دِمَشْقَ عَلَى ما سيأتي تفصيله.

وَبَعَثَ أَبُو عُبَيْدَةَ جَيْشًا (١) يَكُونُ بَيْنَ دِمَشْقَ وَبَيْنَ فِلَسْطِينَ، وَبَعَثَ ذَا الْكَلَاعِ فِي جَيْشٍ يَكُونُ بَيْنَ دِمَشْقَ وَبَيْنَ حِمْصَ، لِيَرُدَّ مَنْ يَرِدُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَدَدِ مِنْ جِهَةِ هِرَقْلَ.

ثُمَّ سَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ مَرْجِ الصُّفَّرِ قَاصِدًا دِمَشْقَ، وَقَدْ جَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي الْقَلْبِ وَرَكِبَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَعَلَى الْخَيْلِ عِيَاضُ بْنُ غنم، وعلى الرجالة شرحبيل بن حسنة، فقدموا دمشق وعليها نسطاس بن نسطوس، فَنَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى الْبَابِ الشَّرْقِيِّ وَإِلَيْهِ بَابُ كَيْسَانَ أَيْضًا، وَنَزَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ الْكَبِيرِ، وَنَزَلَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ الصَّغِيرِ، وَنَزَلَ عمرو بن العاص وشرحبيل بن حَسَنَةَ عَلَى بَقِيَّةِ أَبْوَابِ الْبَلَدِ (٢) وَنَصَبُوا الْمَجَانِيقَ وَالدَّبَّابَاتِ، وَقَدْ أَرْصَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَلَى جَيْشٍ بِبَرْزَةَ يَكُونُونَ رِدْءًا لَهُ، وَكَذَا الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ حِمْصَ وَحَاصَرُوهَا حِصَارًا شَدِيدًا سَبْعِينَ لَيْلَةً، وَقِيلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَهْلُ دِمَشْقَ مُمْتَنِعُونَ مِنْهُمْ غَايَةَ الِامْتِنَاعِ، وَيُرْسِلُونَ إِلَى مَلِكِهِمْ هِرَقْلَ - وَهُوَ مُقِيمٌ بِحِمْصَ - يَطْلُبُونَ منه المدد فلا يمكن


(١) في رواية الطبري: بقيادة علقمة بن حكيم ومسروق.
(٢) في فتوح البلدان ١ / ١٤٤ نزل عمر بن العاص على باب توما وشرحبيل على باب الفراديس.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>