للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: " فِي خَمْسَ عَشْرَةَ " الْحَدِيثَ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * نصير بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ، أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه سلم يَوْمَ حُنَيْنٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَتَوَقَّفَ فِي أَخْذِهَا وَقَالَ: لَا أَرْتَشِي عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا طَلَبْتُهَا وَلَا سَأَلْتُهَا، وَهِيَ عَطِيَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهَا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ * نَوْفَلُ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ عَمِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَسَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ المطلب، وكان ممن أسر يوم بدر ففاداه الْعَبَّاسُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ هَاجَرَ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ وَشَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَالْفَتْحَ، وَأَعَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِثَلَاثَةِ آلَافِ رُمْحٍ، وَثَبَتَ يومئذٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، تُوفِي بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ وَمَشَى فِي جِنَازَتِهِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلَادٍ فُضَلَاءَ وَأَكَابِرَ * هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ

استُهلت هَذِهِ السَّنَةُ وَسَعْدُ بن أبي وقاص منازل مدينة نهرشير، وَهِيَ إِحْدَى مَدِينَتَيْ كِسْرَى مِمَّا يَلِي دِجْلَةَ مِنَ الْغَرْبِ، وَكَانَ قُدُومُ سَعْدٍ إِلَيْهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَاسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَهُوَ نَازِلٌ عِنْدَهَا.

وَقَدْ بَعَثَ السَّرَايَا وَالْخُيُولَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَلَمْ يَجِدُوا وَاحِدًا مِنَ الْجُنْدِ، بَلْ جَمَعُوا مِنَ الْفَلَّاحِينَ مِائَةَ الْفٍ فَحُبِسُوا حَتَّى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ مَا يَفْعَلُ بِهِمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْفَلَّاحِينَ لَمْ يُعِنْ عَلَيْكُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ بِبَلَدِهِ فَهُوَ أَمَانُهُ، وَمَنْ هَرَبَ فَأَدْرَكْتُمُوهُ فَشَأْنُكُمْ بِهِ.

فَأَطْلَقَهُمْ سَعْدٌ بَعْدَ مَا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا إِلَّا الْجِزْيَةَ.

وَلَمْ يَبْقَ مِنْ غَرْبِيِّ دِجْلَةَ إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ أَحَدٌ مِنَ الْفَلَّاحِينَ إِلَّا تَحْتَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وامتنعت نهرشير مِنْ سَعْدٍ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ سَعْدٌ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْمُقَاتَلَةِ، فَأَبَوْا إِلَّا الْمُقَاتَلَةَ وَالْعِصْيَانَ، وَنَصَبُوا الْمَجَانِيقَ وَالدَّبَّابَاتِ، وَأَمَرَ سَعْدٌ بِعَمَلِ الْمَجَانِيقِ فَعُمِلَتْ

عِشْرُونَ مَنْجَنِيقًا، وَنُصِبَتْ عَلَى نهرشير، واشتد الحصار وكان أهل نهرشير يَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ قِتَالًا شَدِيدًا وَيَحْلِفُونَ أَنْ لَا يَفِرُّوا أَبَدًا، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ وَهَزَمَهُمْ زُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ بَعْدَ مَا أَصَابَهُ سَهْمٌ وَقَتَلَ بَعْدَ مصابه كثيراً من الفرس وفروا بين يديه ولجأوا إِلَى بَلَدِهِمْ، فَكَانُوا يُحَاصَرُونَ فِيهِ أَشَدَّ الْحِصَارِ، وَقَدِ انْحَصَرَ أَهْلُ الْبَلَدِ حَتَّى أَكَلُوا الْكِلَابَ وَالسَّنَانِيرَ وَقَدْ أَشْرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَقُولُ لَكُمُ الْمَلِكُ: هَلْ لَكَمَ إِلَى الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَنَّ لَنَا مَا يَلِينَا مَنْ دِجْلَةَ إِلَى جَبَلِنَا، وَلَكُمْ مَا يَلِيكُمْ مِنْ دِجْلَةَ إِلَى جَبَلِكُمْ؟ أَمَا شَبِعْتُمْ؟ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بُطُونَكُمْ.

قَالَ: فَبَدَرَ النَّاسَ رَجُلٌ يُقَالُ له أبو مقرن (١) الْأَسْوَدُ بْنُ قُطْبَةَ فَأَنْطَقَهُ اللَّهُ بِكَلَامٍ لَمْ يَدْرِ مَا قَالَ لَهُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ الرَّجُلُ ورأيناهم


(١) في الطبري أبو مفزر، وفي فتوح العراق للواقدي: أبو مرة الاسود بن قطينة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>