للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ يَبْتَغُونَ رِفْدَهُ وَنَائِلَهُ، فَكَانَ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَأَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُقِيمَ خَالِدًا وَيَكْشِفَ عِمَامَتَهُ وَيَنْزِعَ عَنْهُ قَلَنْسُوَتَهُ وَيُقَيِّدَهُ بِعِمَامَتِهِ وَيَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْعَشْرَةِ آلَافٍ، إِنْ كَانَ أَجَازَهَا الْأَشْعَثَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ سَرَفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الصَّائِفَةِ فَهِيَ خِيَانَةٌ ثُمَّ اعْزِلْهُ عَنْ عَمَلِهِ.

فَطَلَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ خَالِدًا وَصَعِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمِنْبَرَ، وَأُقِيمَ خَالِدٌ بَيْنَ يَدَيِ الْمِنْبَرِ، وقام إليه بلال ففعل مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ والبريد الَّذِي قَدِمَ بِالْكِتَابِ.

هَذَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ نَزَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَاعْتَذَرَ إِلَى خَالِدٍ مِمَّا كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَعَذَرَهُ خَالِدٌ وَعَرَفَ أَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

ثمَّ سَارَ خَالِدٌ إِلَى قِنَّسْرِينَ فَخَطَبَ أَهْلَ الْبَلَدِ وَوَدَّعَهُمْ، وَسَارَ بِأَهْلِهِ إِلَى حِمْصَ فَخَطَبَهُمْ أَيْضًا وَوَدَّعَهُمْ وَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ خَالِدٌ عَلَى عُمَرَ أَنْشَدَ عُمَرُ قَوْلَ الشَّاعِرِ: صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعْ كَصُنْعِكَ صَانِعُ * وَمَا يَصْنَعُ الْأَقْوَامُ فَاللَّهُ صَانِعُ ثُمَّ سَأَلَهُ مَنْ أَيْنَ هَذَا الْيَسَارُ الَّذِي تُجِيزُ مِنْهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ؟ فَقَالَ: مِنَ الْأَنْفَالِ وَالسُّهْمَانِ.

قَالَ: فَمَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ أَلْفًا فَلَكَ، ثُمَّ قَوَّمَ أَمْوَالَهُ وَعُرُوضَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ عَلَيَّ لَكَرِيمٌ، وَإِنَّكَ إليَّ لَحَبِيبٌ، وَلَنْ تَعْمَلَ (١) لِي بَعْدَ الْيَوْمِ على شئ.

وَقَالَ سَيْفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ سَهْلٍ.

قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْأَمْصَارِ: إِنِّي لَمْ أَعْزِلْ خَالِدًا عَنْ سُخْطَةٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فُتِنُوا بِهِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْلَمُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الصَّانِعُ.

ثُمَّ رَوَاهُ سَيْفٌ عَنْ مُبَشِّرٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اعْتَمَرَ عُمَرُ فِي رَجَبٍ مِنْهَا، وعمَّر فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ أَنْصَابِ الْحَرَمِ، أَمَرَ بِذَلِكَ لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَأَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ، وَحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَسَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عبد الله المري عن أبيه عن جده قال: قدم عُمَرَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فمر في الطريق فَكَلَّمَهُ أَهْلُ الْمِيَاهِ أَنْ يَبْنُوا مَنَازِلَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ - وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَاءٌ - فَأَذِنَ لَهُمْ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالظِّلِّ وَالْمَاءِ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا تَزَوَّجَ عُمَرُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، مِنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ بِهَا فِي ذِي القعدة.

وقد ذكرنا في سيرة عمر ومسنده صِفَةَ تَزْوِيجِهِ بِهَا وَأَنَّهُ أَمْهَرَهَا أَرْبَعِينَ الْفًا، وَقَالَ إِنَّمَا تَزَوَّجْتُهَا لِقَوْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي " قَالَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ الْبَصْرَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُشْخِصَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ فِيمَا حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزَّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَبُو بَكْرَةَ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ البجلي، ونافع بن عبيد (٢) ، وَزِيَادٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَسَيْفٌ هَذِهِ الْقِصَّةَ


(١) في الطبري: ولن تعاتبني.
(٢) في الطبري: ابن كلدة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>