للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ مَمْلَكَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ - يَعْنِي مَدِينَةَ بَابِ الْأَبْوَابِ الَّتِي هُوَ فِيهَا - وَوَاللَّهِ لَأَنْتُمْ أَحَبُّ إلي اليوم من مملكة

آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم وبلغهم خَبَرُهَا لَانْتَزَعُوهَا مِنِّي.

وَايْمُ اللَّهِ لَا يَقُومُ لكم شئ ما وفيتم ووفى ملككهم الْأَكْبَرُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى الرَّسُولِ الَّذِي ذَهَبَ عَلَى السَّدِّ فَقَالَ: مَا حَالُ هَذَا الرَّدْمِ؟ - يَعْنِي مَا صِفَتُهُ - فَأَشَارَ إِلَى ثَوْبٍ فِي زُرْقَةٍ وَحُمْرَةٍ فَقَالَ: مِثْلُ هَذَا.

فَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: صَدَقَ وَاللَّهِ لَقَدْ نَفَذَ وَرَأَى.

فَقَالَ: أَجَلْ وَصَفَ صِفَةَ الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قطرا) * [الْكَهْفِ: ٩٦] وَقَدْ ذَكَرْتُ صِفَةَ السَّدِّ فِي التَّفْسِيرِ، وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ السَّدَّ.

فَقَالَ: " كيف رأيته "؟ قال: مثل البرد المحبر رَأَيْتَهُ.

قَالُوا: ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ لِشَهْرَبْرَازَ: كَمْ كَانَتْ هَدِيَّتُكَ؟ قَالَ: قِيمَةَ مِائَةِ أَلْفٍ فِي بِلَادِي وَثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفٍ فِي تِلْكَ الْبُلْدَانِ.

بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ أَوْرَدَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ الْحَافِظُ في هذه السنة ما ذكر صَاحِبُ كِتَابِ مَسَالِكِ الْمَمَالِكِ عَمَّا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ سَلَّامٌ التُّرْجُمَانُ، حِينَ بَعَثَهُ الْوَاثِقُ بِأَمْرِ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَصِمِ - وَكَانَ قَدْ رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ السَّدَّ قَدْ فُتِحَ - فَأَرْسَلَ سَلَّامًا هَذَا وَكَتَبَ لَهُ إِلَى الْمُلُوكِ بِالْوَصَاةِ بِهِ، وَبَعَثَ معه ألفي بغل تحمل طعاماً فساروا بين سامرا إلى إسحق بِتَفْلِيسَ، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى صَاحِبِ السَّرِيرِ، وَكَتَبَ لَهُمْ صَاحِبُ السَّرِيرِ إِلَى مَلِكِ اللَّانِ، فَكَتَبَ لهم إلى قبلان شاه، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى مَلِكِ الْخَزَرِ، فَوَجَّهَ مَعَهُ خمسة أولاد فساروا ستة وعشرين يوماً.

انتهوا إلى أرض سواداء مُنْتِنَةٍ حَتَّى جَعَلُوا يَشُمُّونَ الْخَلَّ، فَسَارُوا فِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَانْتَهَوْا إِلَى مَدَائِنَ خَرَابٍ مُدَّةَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ تَطْرُقُهَا فَخَرِبَتْ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ، وَإِلَى الْآنِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى حِصْنٍ قَرِيبٍ مِنَ السَّدِّ فَوَجَدُوا قَوْمًا يَعْرِفُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَبِالْفَارِسِيَّةِ وَيَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ، وَلَهُمْ مَكَاتِبُ وَمَسَاجِدُ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْهُمْ وَيَسْأَلُونَهُمْ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلُوا، فَذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ من جهة أمير المؤمنين الواثق فَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى جَبَلٍ أملس ليس عليه خضرا وإذا السد هناك مِنْ لَبِنٍ حَدِيدٍ مُغَيَّبٍ فِي نُحَاسٍ، وَهُوَ مُرْتَفِعٌ جِدًّا لَا يَكَادُ الْبَصَرُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَهُ شُرُفَاتٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي وَسَطِهِ بَابٌ عَظِيمٌ بِمِصْرَاعَيْنِ

مُغْلَقَيْنِ، عَرْضُهُمَا مِائَةُ ذِرَاعٍ، فِي طُولِ مِائَةِ ذِرَاعٍ، فِي ثَخَانَةِ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ، وَعَلَيْهِ قُفْلٌ طُولُهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي غِلَظِ بَاعٍ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً - وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَرَسٌ يَضْرِبُونَ عِنْدَ الْقُفْلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فيسمعون بعد ذلك صوتاً عظيماً مزعجاً، ويقال: أن وراء هذا الباب حرس وَحَفَظَةً، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ حِصْنَانِ عَظِيمَانِ بَيْنَهُمَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبَةٍ، وَفِي إِحْدَاهُمَا بَقَايَا العمارة من مغارف ولبن من حديد وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا طُولُ اللَّبِنَةِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ فِي مِثْلِهِ، فِي سُمْكِ شِبْرٍ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ هَلْ رَأَوْا أَحَدًا مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا مِنْهُمْ يَوْمًا أَشْخَاصًا فَوْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>