للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وعيد) [ق: ١٢ - ١٤] وَهَذَا السِّيَاقُ وَالَّذِي قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا وَدُمِّرُوا وَتُبِّرُوا وَهُوَ الْهَلَاكُ.

وَهَذَا يَرُدُّ اخْتِيَارَ ابْنِ جَرِيرٍ مِنْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ (١) ، لِأَنَّ أولئك عند ابن اسحق وَجَمَاعَةٍ كَانُوا بَعْدَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصْحَابُ الرَّسِّ (٢) ; أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى ثَمُودَ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ عِنْدَ ذِكْرِ بِنَاءِ دِمَشْقَ عَنْ تَارِيخِ أَبِي الْقَاسِمِ عبد الله بن عبد الله بن جرداد وَغَيْرِهِ: أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ كَانُوا بِحَضُورٍ فَبَعْثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا يُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ فَكَذَّبُوهُ وَقَتَلُوهُ فَسَارَ عَادُ بْنُ عَوْصِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ بِوَلَدِهِ مِنَ الرَّسِّ فَنَزَلَ الْأَحْقَافَ وَأَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الرَّسِّ وَانْتَشَرُوا فِي الْيَمَنِ كُلِّهَا وَفَشَوْا مَعَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى نَزَلَ جَيْرُونُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَادِ بْنِ عَوْصِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ دِمَشْقَ وَبَنَى مَدِينَتَهَا وَسَمَّاهَا جَيْرُونَ وَهِيَ إِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ وَلَيْسَ أَعْمِدَةُ الْحِجَارَةِ فِي مَوْضِعٍ أَكْثَرَ مِنْهَا بِدِمَشْقَ، فَبَعَثَ اللَّهُ هُودَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن رباح بن خالد بن الحلود بْنِ عَادٍ إِلَى عَادٍ، يَعْنِي أَوْلَادَ عَادٍ

بالأحقاف، فكذبوه وأهلكهم الله عزوجل، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ قَبْلَ عَادٍ بِدُهُورٍ مُتَطَاوِلَةٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ (٣) .

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الرَّسُّ بِئْرٌ بآذربيجان.

وقال الثوري عن أبي بكر عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ الرَّسُّ بِئْرٌ رَسُّوا فِيهَا نبيهم أي دفنوه فيها (٤) .

وقال بن جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ أَصْحَابُ الرَّسِّ بِفَلْجَ وَهُمْ أَصْحَابُ يَاسِينَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فَلْجُ مِنْ قُرَى الْيَمَامَةِ قُلْتُ: فَإِنْ كَانُوا أَصْحَابَ يَاسِينَ كَمَا زَعَمَهُ عِكْرِمَةُ فَقَدْ أُهْلِكُوا بِعَامَّةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّتِهِمْ (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) [يس: ٢٩] وَسَتَأْتِي قِصَّتُهُمْ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَقَدْ أُهْلِكُوا أَيْضًا وَتُبِّرُوا * وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيُنَافِي مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ أبو بكر محمد ابن الْحَسَنِ النَّقَّاشُ: أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ كَانَتْ لَهُمْ بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعا وَكَانَ لَهُمْ مَلَكٌ عَادِلٌ حَسَنُ السِّيرَةِ فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوا عَلَيْهِ وَجْدًا عَظِيمًا فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ تَصَوَّرَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ وَقَالَ إِنِّي لَمْ أَمُتْ وَلَكِنْ تَغَيَّبْتُ عَنْكُمْ حَتَّى أَرَى صَنِيعَكُمْ فَفَرِحُوا أَشَدَّ الْفَرَحِ وَأَمَرَ بِضَرْبِ حِجَابٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ أَبَدًا فَصَدَّقَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَافْتَتَنُوا بِهِ وَعَبَدُوهُ فَبَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ نَبِيًّا وَأَخْبَرَهُمْ (٥) أَنَّ هَذَا شَيْطَانٌ يُخَاطِبُهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَنَهَاهُمْ عن


(١) قال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قعود (٤ - ٦) .
(٢) الرس: في كلام العرب البئر التي تكون مطوية والجمع رساس.
وفي الصحاح: الرس بئر كانت لبقية من ثمود.
والرس أيضا عند العرب: الدفن.
(٣) تاريخ ابن عساكر ١ / ١٥ تهذيب.
(٤) عن عكرمة: دفنوه حيا.
(٥) في نسخة: فأخبرهم، وهو مناسب أكثر.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>