للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ غَزَاهَا.

وَزَعَمَ سَيْفٌ أَنَّهُمْ كَانُوا صَالَحُوا سُوَيْدَ بْنَ مُقَرِّنٍ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا يَغْزُوَهَا، عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهُ إِصْبَهْبَذُهَا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ رَكِبَ فِي جَيْشٍ فِيهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَالْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ (١) ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، فِي خَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَسَارَ بِهِمْ فَمَرَّ عَلَى بُلْدَانٍ شتى يصالحونه عَلَى أَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَلَدٍ معاملة (٢) جرجان، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى احْتَاجُوا إِلَى صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَسَأَلَ حُذَيْفَةَ: كَيْفَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخْبَرَهُ فَصَلَّى كَمَا أَخْبَرَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْحِصْنِ الْأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلًا وَاحِدًا فَفَتَحُوا الحصن فقتلهم إلا رجلاً واحداً، وحوى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَهْدٍ سَفَطًا مَقْفُولًا فَاسْتَدْعَى بِهِ سَعِيدٌ؟ فَفَتَحُوهُ فَإِذَا فِيهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ مُدْرَجَةٌ فَنَشَرُوهَا، فَإِذَا فِيهَا خِرْقَةٌ حَمْرَاءُ فَنَشَرُوهَا، وَإِذَا دَاخَلَهَا خِرْقَةٌ صَفْرَاءُ، وَفِيهَا أَيْرَانِ كُمَيْتٍ وَوَرْدٌ.

فَقَالَ شَاعِرٌ يَهْجُو بِهِمَا بَنِي نَهْدٍ: آبَ الْكِرَامُ بِالسَّبَايَا غَنِيمَةً * وَفَازَ (٣) بَنُو نَهْدٍ بِأَيْرَيْنِ فِي سفطْ كميتٍ ووردٍ وَافِرَيْنِ كِلَاهُمَا * فَظَنُّوهُمَا غُنْمًا فَنَاهِيكَ مِنْ غلطْ قَالُوا: ثمَّ نَقَضَ أَهْلُ جُرْجَانَ مَا كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَامْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ الَّذِي ضَرَبَهُ عَلَيْهِمْ - وَكَانَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ وَقِيلَ مِائَتَيْ ألف دينار وقيل ثلثمائة ألف دينار - ثم وجه

إليهم يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَنِ الْكُوفَةِ، وَوَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّهُ صَلَّى بِأَهْلِ الْكُوفَةِ الصُّبْحَ أَرْبَعًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ أَزِيدُكُمْ؟ فَقَالَ قَائِلٌ: مَا زِلْنَا مِنْكَ مُنْذُ الْيَوْمِ فِي زيارة.

ثُمَّ إِنَّهُ تَصَدَّى لَهُ جَمَاعَةٌ يُقَالُ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ شَنَآنٌ، فَشَكَوْهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَشَهِدَ بعضهم عليه أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقاياها، فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْضَارِهِ وَأَمَرَ بِجَلْدِهِ، فَيُقَالُ إِنَّ عَلِيًّا نَزَعَ عَنْهُ حُلَّتَهُ، وَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصَ جَلَدَهُ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَزَلَهُ وَأَمَّرَ مَكَانَهُ عَلَى الْكُوفَةِ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ (٤) .

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَقَطَ خَاتَمُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، وَهِيَ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ مِنْ أَقَلِّ الْآبَارِ مَاءً، فَلَمْ يُدْرَكْ خَبَرُهُ بَعْدَ بَذْلِ مَالٍ جَزِيلٍ، وَالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى السَّاعَةَ، فَاسْتَخْلَفَ عُثْمَانُ بَعْدَهُ خاتماً من فضة، ونقش عليه محمداً رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ ذَهَبَ الْخَاتَمُ


(١) العبادلة الاربعة: عبد اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ الله بن الزبير.
(٢) في الطبري تخوم جرجان، وكان سعيد قد مر على قومس وجرجان وطميسة وقد قاتله أهلها.
زاد في فتوح البلدان: ونامنة وهي قرية.
(٣) في الكامل: وآب.
(٤) ذكر الخبر الطبري مطولا وأسباب عزله الوليد ج ٥ / ٥٨ وما بعدها.
ومروج الذهب ١ / ٤٣٧ وابن الاعثم ٣ / ١٦٦ - ١٦٧ وذكر كتاب عثمان إلى الكوفة بتولية سعيد بن العاص عليهم.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>