للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْجَنَّةِ * فَلَمَّا فَتَحَتِ الْبَابَ وَكَشَفَتِ الْحِجَابَ رَأَتْ وَجْهَهُ يَتَلَأْلَأُ بِتِلْكَ الْأَنْوَارِ النَّبَوِيَّةِ، وَالْجَلَالَةِ الْمُوسَوِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، وَوَقَعَ نَظَرُهَا عَلَيْهِ أَحَبَّتْهُ حُبًّا شديداً جداً * فَلَمَّا جَاءَ فِرْعَوْنُ قَالَ مَا هَذَا وَأَمَرَ بِذَبْحِهِ فَاسْتَوْهَبَتْهُ مِنْهُ وَدَفَعَتْ عَنْهُ (وَقَالَتْ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فَقَالَ لَهَا فِرْعَوْنُ أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ وَأَمَّا لِي فَلَا أَيْ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ.

وَقَوْلُهَا (عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا) [القصص: ٩] وَقَدْ أَنَالَهَا اللَّهُ مَا رَجَتْ مِنَ النَّفْعِ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهَدَاهَا اللَّهُ بِهِ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَسْكَنَهَا جَنَّتَهُ بِسَبَبِهِ (أَوْ تتخذه وَلَداً) وذلك أنهما تَبَنَّيَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ.

قال الله تعالى

(وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أَيْ لَا يَدْرُونَ مَاذَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِمْ حين قَيَّضَهُمْ (١) لِالْتِقَاطِهِ مِنَ النِّقْمَةِ الْعَظِيمَةِ بِفِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ [وعند أهل الكتاب: أن التي التقطت موسى " دربتة " ابْنَةُ فِرْعَوْنَ، وَلَيْسَ لِامْرَأَتِهِ ذِكْرٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا من غلطهم على كتاب الله عزوجل] (٢) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أكثرهم لا يعلمون) [الْقَصَصِ: ١٠ - ١٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وغيرهم (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً) أي من كل شئ من أمور الدنيا إلا من موسى إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أَيْ لَتُظْهِرُ أَمْرَهُ وَتَسْأَلُ عَنْهُ جَهْرَةً (لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) أَيْ صَبَّرْنَاهَا وَثَبَّتْنَاهَا (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ وهي ابنتها الكبيرة (٣) قصيه أي اتبعي أثره واطلبي له خبره فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ * قَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ بُعْدٍ * وَقَالَ قَتَادَةُ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّهَا لَا تُرِيدُهُ * وَلِهَذَا قَالَ (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا اسْتَقَرَّ بِدَارِ فِرْعَوْنَ أَرَادُوا أَنْ يُغَذُّوهُ بِرَضَاعَةٍ فَلَمْ يَقْبَلْ ثَدْيًا وَلَا أَخَذَ طَعَامًا فَحَارُوا فِي أمره واجتهدوا عَلَى تَغْذِيَتِهِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَفْعَلْ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق لعل يَجِدُونَ مَنْ يُوَافِقُ رَضَاعَتَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ وُقُوفٌ بِهِ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ عَلَيْهِ إِذْ بَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ فَلَمْ تُظْهِرْ أَنَّهَا تَعْرِفُهُ بَلْ قَالَتْ (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) * قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ قَالُوا لَهَا مَا يُدْرِيكِ بِنُصْحِهِمْ وَشَفَقَتِهِمْ علَيْهِ فَقَالَتْ رَغْبَةً فِي صِهْرِ الْمَلِكِ وَرَجَاءَ مَنْفَعَتِهِ فَأَطْلَقُوهَا وَذَهَبُوا مَعَهَا إِلَى مَنْزِلِهِمْ فَأَخَذَتْهُ أُمُّهُ فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ الْتَقَمَ ثَدْيَهَا وَأَخَذَ يَمْتَصُّهُ وَيَرْتَضِعُهُ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا وَذَهَبَ الْبَشِيرُ إِلَى آسِيَةَ يُعْلِمُهَا بِذَلِكَ فَاسْتَدْعَتْهَا إِلَى مَنْزِلِهَا وَعَرَضَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَهَا وَأَنَّ تُحْسِنَ إِلَيْهَا فَأَبَتْ عَلَيْهَا وَقَالَتْ إِنَّ لِي بَعْلًا وَأَوْلَادًا وَلَسْتُ أَقْدِرُ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ تُرْسِلِيهِ مَعِي فَأَرْسَلَتْهُ مَعَهَا وَرَتَّبَتْ لَهَا رَوَاتِبَ وَأَجْرَتْ عَلَيْهَا


(١) في النسخ المطبوعة: أن قيضهم وهو تحريف.
(٢) سقطت من النسخ المطبوعة.
واستدركت من قصص الأنبياء لابن كثير.
(٣) جاء في تفسير القرطبي: اسمها: مريم بنت عمران ; وقال الضحاك: كلثمة.
وقال السهيلي: كلثوم.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>