للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ رَوَى أَنَّ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَفْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَخِيهِ هَانِئِ بْنِ عَدِيٍّ، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ عُبَّادِ النَّاسِ وَزُهَّادِهِمْ، وَكَانَ بَارًّا بِأُمِّهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: مَا أَحْدَثَ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأَ، وَلَا تَوَضَّأَ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ النَّاس.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.

قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ لِحُجْرٍ: يَا بن أم حجر لو تقطعت أعضاؤك مَا بَلَغْتَ الْإِيمَانَ، وَكَانَ إِذْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ إِذَا ذَكَرَ عَلِيًّا فِي خُطْبَتِهِ يَتَنَقَّصُهُ بَعْدَ مَدْحِ عُثْمَانَ وَشِيعَتِهِ فَيَغْضَبُ حُجْرٌ هَذَا وَيُظْهِرُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ كَانَ الْمُغِيرَةُ فِيهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ فَكَانَ يَصْفَحُ عَنْهُ وَيَعِظُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيُحَذِّرُهُ غَبَّ هَذَا الصَّنِيعِ، فَإِنَّ مُعَارَضَةَ السُّلْطَانِ شَدِيدٌ وَبَالُهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ حُجْرٌ عَنْ ذَلِكَ.

فلمَّا كَانَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُغِيرَةِ قَامَ حُجْرٌ

يَوْمًا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ وَصَاحَ بِهِ وَذَمَّهُ بِتَأْخِيرِهِ الْعَطَاءِ عَنِ النَّاسِ، وَقَامَ مَعَهُ فِئَامٌ النَّاسِ لِقِيَامِهِ، يُصَدِّقُونَهُ وَيُشَنِّعُونَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَصْرَ الْإِمَارَةِ وَدَخَلَ مَعَهُ جمهور الأمراء، فأشاروا عليه بردع حجر هذا عما تعاطاه من شق العصى وَالْقِيَامِ عَلَى الْأَمِيرِ، وَذَمَرَوهُ وَحَثُّوهُ عَلَى التَّنْكِيلِ فصفح عنه وحلم به.

وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ يَسْتَمِدُّهُ بمالٍ يَبْعَثُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَعَثَ عِيرًا تَحْمِلُ مَالًا فَاعْتَرَضَ لَهَا حُجْرٌ، فَأَمَسَكَ بِزِمَامِ أَوَّلِهَا وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

فَقَالَ شَبَابُ ثَقِيفٍ لِلْمُغِيرَةِ: أَلَّا نَأْتِيكَ بِرَأْسِهِ؟ فَقَالَ: ما كنت لأفعلن ذَلِكَ بِحُجْرٍ، فَتَرَكَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ ذَلِكَ عَزَلَ الْمُغِيرَةَ وَوَلَّى زِيَادًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَعْزِلِ الْمُغِيرَةَ حَتَّى مَاتَ، فلمَّا تُوُفِّيَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجُمِعَتِ الْكُوفَةُ مَعَ الْبَصْرَةِ لِزِيَادٍ دَخَلَهَا وَقَدِ الْتَفَّ عَلَى حجر جماعات من شيعة علي يقولون أمره ويشدون على يده، ويسبون معاوية ويتبرأون مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا زِيَادٌ بِالْكُوفَةِ، ذَكَرَ فِي آخِرِهَا فَضْلَ عُثْمَانَ وَذَمَّ مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ.

فَقَامَ حُجْرٌ كَمَا كَانَ يَقُومُ فِي أَيَّامِ الْمُغِيرَةِ، وتكلم بنحو مما قال المغيرة، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ زِيَادٌ، ثُمَّ رَكِبَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرًا مَعَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا يُحْدِثُ حَدَثًا، فَقَالَ: إِنِّي مَرِيضٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمَرِيضُ الدِّينِ وَالْقَلْبِ وَالْعَقْلِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَحْدَثْتَ شَيْئًا لَأَسْعَيَنَّ فِي قَتْلِكَ، ثُمَّ سَارَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ أَنْكَرُوا عَلَى نَائِبِهِ بِالْكُوفَةِ - وَهُوَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ - وَحَصَبُوهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَكِبَ زِيَادٌ إِلَى الْكُوفَةِ فنزل في الْقَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ قَبَاءُ سُنْدُسٍ، وَمِطْرَفُ خَزٍّ أَحْمَرُ، قَدْ فَرَقَ شَعْرَهُ، وَحُجْرٌ جَالِسٌ وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ أَكْثَرَ مَا كَانُوا يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ مَنْ لَبِسَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ نحو مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَجَلَسُوا حَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَدِيدِ وَالسِّلَاحِ، فَخَطَبَ زِيَادٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ غب البغي والغي وخيم، وإن هؤلاء أمنوني فاجترأوا عليّ، وأيم الله لئن لم تستقيموا لادواينكم بدوائكم، ثم قال: ما أنا بشئ إِنْ لَمْ أَمْنَعْ سَاحَةَ الْكُوفَةِ مِنْ حجرٍ وأصحابه وَأَدَعْهُ نَكَالًا لِمَنْ بَعْدَهُ، وَيْلُ أُمِّكُ يَا حُجْرُ، سَقَطَ بِكَ الْعَشَاءُ عَلَى سِرْحَانٍ.

ثُمَّ قَالَ: أَبْلِغْ نُصَيْحَةَ أَنَّ رَاعِيَ إِبْلِهَا * سَقَطَ الْعَشَاءُ بِهِ عَلَى سِرْحَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>