للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَانْضَافَ إِلَيْهِ أَيْضًا نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَنَفِيُّ - مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ - فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِهَا لِيَمْنَعُوا الْبَيْتَ مِنْ أَهْلِ الشَّام، فَنَزَلَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ظَاهِرَ مَكَّةَ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنِ الْتَفَّ مَعَهُ فاقتتلوا عند ذلك قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَبَارَزَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّام فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صاحبه، وحمل أهل الشَّام على أهل مكة حَمْلَةً صَادِقَةً، فَانْكَشَفَ أَهْلُ مَكَّةَ، وَعَثَرَتْ بَغْلَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِهِ، فَكَرَّ عَلَيْهِ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَطَائِفَةٌ فَقَاتَلُوا دُونَهُ حَتَّى قُتِلُوا جَمِيعًا، وَصَابَرَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى اللَّيْلِ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمَّ اقْتَتَلُوا فِي بَقِيَّةِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرًا بِكَمَالِهِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ ثَالِثُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ نَصَبُوا الْمَجَانِيقَ عَلَى الْكَعْبَةِ وَرَمَوْهَا حَتَّى بِالنَّارِ، فَاحْتَرَقَ جِدَارُ البيت في يوم السبت، هذا قول الواقدي، وهم يقولون: خطَّاره مثل الفتيق المزبد * ترمى بها جدران (١) هذا المسجد وجعل عمر بْنُ حَوْطَةَ السَّدُوسِيُّ يَقُولُ: كَيْفَ تَرَى صَنِيعَ أُمِّ فَرْوَهْ * تَأْخُذُهُمْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَهْ وَأُمُّ فَرْوَةَ اسْمُ الْمَنْجَنِيقِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا احْتَرَقَتْ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ جَعَلُوا يُوقِدُونَ النَّارَ وَهُمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي بَعْضِ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَسَرَتْ إِلَى أَخْشَابِهَا وَسُقُوفِهَا فَاحْتَرَقَتْ، وَقِيلَ إِنَّمَا احْتَرَقَتْ لِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ التَّكْبِيرَ عَلَى بَعْضِ جِبَالِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَظَنَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، فَرُفِعَتْ نَارٌ عَلَى رُمْحٍ لِيَنْظُرُوا مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَلَى الْجَبَلِ، فَأَطَارَتِ الرِّيحُ شَرَرَةً مِنْ رَأَسِ الرُّمْحِ إِلَى مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ مِنَ الْكَعْبَةِ، فَعَلِقَتْ فِي أَسْتَارِهَا وَأَخْشَابِهَا فَاحْتَرَقَتْ، وَاسْوَدَّ الرُّكْنُ وَانْصَدَعَ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ مِنْهُ.

وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ إِلَى مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَجَاءَ النَّاسَ نعُي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وستة أو ثمانية أشهر، فغُلب أهل

الشام هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ، فَحِينَئِذٍ خَمَدَتِ الْحَرْبُ وَطَفِئَتْ نَارُ الْفِتْنَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ مَكَثُوا يُحَاصِرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعْدَ مَوْتِ يزيد نحو أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَيُذْكَرُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلِمَ بِمَوْتِ يَزِيدَ قَبْلَ أَهْلِ الشَّام فَنَادَى فِيهِمْ: يَا أَهْلَ الشَّام قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ طَاغِيَتَكُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى شَامِهِ فَلْيَرْجِعْ، فَلَمْ يُصَدِّقِ الشَّامِيُّونَ أَهْلَ مَكَّةَ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ، حَتَّى جَاءَ ثَابِتُ بن قيس بن القيقع (٢) بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ.

وَيُذْكَرُ أَنَّ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ دَعَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِيُحَدِّثَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَاجْتَمَعَا حتى اختلفت رؤوس فَرَسَيْهِمَا، وَجَعَلَتْ فَرَسُ حُصَيْنٍ تَنْفِرُ وَيَكُفُّهَا، فَقَالَ له ابن الزبير: مالك؟ فَقَالَ: إِنَّ الْحَمَامَ تَحْتَ رِجْلَيْ فَرَسِي تَأْكُلُ من الروث


(١) في الطبري ٧ / ١٤ وفي الكامل ٤ / ١٢٤: نرمي بها أعواد.
(٢) في الطبري ٧ / ١٦: المنقع.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>