للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْخِلَافَةِ.

وَجَلَسَتْ أُمُّهُ مَيْسُونُ يَوْمًا تُمَشِّطُهُ وَهُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ، وَأَبُوهُ مُعَاوِيَةُ مَعَ زَوْجَتِهِ الْحَظِيَّةِ عِنْدَهُ فِي الْمَنْظَرَةِ، وَهِيَ فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرَظَةَ، فلما فرغت من مشطه نظرت أمه إليه فأعجبها فقبلته بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: إِذَا مَاتَ لَمْ تُفْلِحْ مُزَيْنَةُ بَعْدَهُ * فَنُوطِي عَلَيْهِ يَا مُزَيْنُ التَّمَائِمَا وَانْطَلَقَ يَزِيدُ يَمْشِي وَفَاخِتَةُ تُتْبِعُهُ بَصَرَهَا ثُمَّ قَالَتْ: لَعَنَ اللَّهُ سَوَادَ سَاقَيْ أُمِّكَ، فَقَالَ

مُعَاوِيَةُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنِ ابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ وَلَدُهُ مِنْهَا وَكَانَ أَحْمَقَ - فَقَالَتْ فَاخِتَةُ: لَا وَاللَّهِ لكنك تُؤْثِرُ هَذَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَوْفَ أُبَيِّنُ لَكِ ذلك حتى تعرفينه قَبْلَ أَنْ تَقُومِي مِنْ مَجْلِسِكِ هَذَا، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُعْطِيَكَ كُلَّ مَا تسألني في مجلسي هذا، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْتَرِيَ لِي كَلْبًا فَارِهًا وحماراً فارهاً، فقال: يا بني أنت حمار وتشتري لك حماراً؟ قُمْ فَاخْرُجْ.

ثُمَّ قَالَ لِأُمِّهِ: كَيْفَ رَأَيْتِ؟ ثُمَّ اسْتَدْعَى بِيَزِيدَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُعْطِيَكَ كُلَّ مَا تَسْأَلُنِي فِي مجلسي هَذَا، فَسَلْنِي مَا بَدَا لَكَ.

فَخَرَّ يَزِيدُ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَأَرَاهُ فِي هَذَا الرَّأْيِ، حَاجَتِي أَنْ تَعْقِدَ لِيَ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِكَ، وَتُوَلِّيَنِي الْعَامَ صَائِفَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَأْذَنَ لِي فِي الْحَجِّ إِذَا رَجَعْتَ، وَتُوَلِّيَنِي الْمَوْسِمَ، وَتَزِيدَ أَهْلَ الشَّامِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ لكل رجل في عطائه، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتعرض لِأَيْتَامِ بَنِي جُمَحٍ، وَأَيْتَامِ بَنِي سَهْمٍ، وَأَيْتَامِ بني عدي.

فقال: مالك ولايتام بن عَدِيٍّ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُمْ حَالَفُونِي وَانْتَقَلُوا إِلَى دَارِي.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَقَبَّلَ وجهه، ثمَّ قال لفاختة بنت قَرَظَةَ: كَيْفَ رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصِهِ بِي فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَفَعَلَ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ يَزِيدَ لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُوهُ: سَلْنِي حَاجَتَكَ، قَالَ لَهُ يَزِيدُ: أَعْتِقْنِي مِنَ النَّار أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَكَ مِنْهَا، قَالَ: وكيف؟ قال: لأني وجدت في الآثار أَنَّهُ مَنْ تَقَلَّدَ أَمْرَ الْأُمَّةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّار، فَاعْهَدْ إِلَيَّ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِكَ فَفَعَلَ.

وَقَالَ الْعُتْبِيُّ: رَأَى مُعَاوِيَةُ ابْنَهُ يَزِيدَ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه، سَوْأَةً لَكَ! ! أَتُضْرِبُ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْكَ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ مَنَعَتْنِي الْقَدْرَةُ مِنْ الانتقام من ذوي الأحن، وإن أحسن مَنْ عَفَا لَمَنْ قَدَرَ.

قُلْتُ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم رَأَى أَبَا مَسْعُودٍ يَضْرِبُ غُلَامًا له فقال: " اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقَدْرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه " (١) .

قال العتبي: وقدم زياد بأموال كثيرة وبسفط مملوء جواهر عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسُرَّ بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ زِيَادٌ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ افْتَخَرَ بِمَا يَفْعَلُهُ بِأَرْضِ


(١) أخرجه مسلم في الإيمان ح (٣٤) (٣٥) (٣٦) وأبو داود في الادب ح (١٢٤) والترمذي في البر ح (٣٠) وأحمد
في المسند ٤ / ١٢٠.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>