للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا أَرَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ هَدْمَ الْبَيْتِ شَاوَرَ النَّاسَ فِي هَدْمِهَا فَأَشَارَ عَلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عبَّاس: أَخْشَى أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكَ مَنْ يَهْدِمُهَا، فَلَا تَزَالُ تُهْدَمُ حَتَّى يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِحُرْمَتِهَا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُصْلِحَ ما يتهدم من بنيانها.

ثم إن ابن الزبير استخار الله ثلاثا أَيَّامٍ، ثُمَّ غَدَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَبَدَأَ يَنْقُضُ الرُّكْنَ إِلَى الْأَسَاسِ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْأَسَاسِ وَجَدُوا أَصْلًا بِالْحَجَرِ مُشَبَّكًا كَأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً فأمرهم أن يحفروا، فلما ضربوا بالمعاول في تلك الأحجار المشبكة ارتجت مكة فتركه على حاله، ثم أسس عليه البناء، وجعل للكعبة بابين موضعين بِالْأَرْضِ، بَابٌ يُدْخَلُ مِنْهُ وَبَابٌ يُخْرَجُ مِنْهُ، وَوَضَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِيَدِهِ، وَشَدَّهُ بِفِضَّةٍ لِأَنَّهُ كان قد تصدع، وَزَادَ فِي وُسْعِ الْكَعْبَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَلَطَّخَ جُدْرَانَهَا بِالْمِسْكِ وَسَتَرَهَا بِالدِّيبَاجِ، ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنْ مَسَاجِدِ عَائِشَةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى وَسَعَى، وَأَزَالَ ما كان حوِّل الكعبة من الزبالة، وَمَا كَانَ حَوْلَهَا مِنَ الدِّمَاءِ، وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ قَدْ وَهَتْ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا مِنْ حِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ، وَاسْوَدَّ الرُّكْنُ وَانْصَدَعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ النَّار الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ سبب تجديد الزبير لها ما ثبت في الصحيحين من حديث عاشئة المتقدم ذكره والله أعلم.

[ثم دخلت سنة خمس وستين]

فيها اجْتَمَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الْأَخْذَ بِثَأْرِ الحسين ممن قتله، قال الواقدي: لما خرج الناس إلى النخيلة كانوا قليلاً، فلم تعجب سليمان قلتهم، فأرسل حكيم بن منقذ (١) فنادى في الكوفة بأعلى صوته: يا ثارات الحسين، فلم يزل ينادي حتى بلغ المسجد الأعظم، فسمع الناس فخرجوا إلى النخيلة وخرج أشراف الكوفة فكانوا قريباً من عشرين ألفاً أو يزيدون، في ديوان سليمان بن صرد، فلما عزم على المسير بهم لم يصف معه منهم سوى أربعة آلاف، فقال المسيب بن نجية لسليمان: إنه لا ينفعك الكاره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، وباع نفسه لله عز وجل، فلا تنتظرن أحداً وامض لأمرك في جهاد عدوك واستعن بالله عليهم.

فقام سليمان في أصحابه وقال: يا أيها النَّاس! من كان إنما خرج لوجه الله وثواب الآخرة

فذلك منا ونحن منه، ومن كان خروجه معنا للدنيا فليس منا ولا يصحبنا.

فقال الباقون معه: ما للدنيا خرجنا، ولا لها طلبنا، فقيل له: أنسير إلى قتلة الحسين بالشام وقتلته عندنا بالكوفة كلهم مثل عمر بن سعد وغيره؟ فقال سليمان: إن ابن زياد هو الذي جهز الجيش إليه وفعل به ما فعل، فإذا فرغنا منه عدنا إلى أعدائه بالكوفة، ولو قاتلتوهم أولاً، وهم أهل مصركم ما عدم الرجل منكم أن يرى رجلاً قد قتل أباه قد قتل أخاه أو حميمه، فيقع التخاذل، فإذا فرغتم من


(١) في الطبري ٧ / ٦٦ زيد: والوليد بن غضين الكناني، وفي ابن الاعثم ٦ / ٥٨: ابن عصين وفي الكامل: ابن عصير.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>