للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوَاحِي - وَهُوَ صَاحِبُ بُخَارَى بَعْدَ أَخْذِ قُتَيْبَةَ لَهَا - وَخَرَجَ وَرْدَانُ خُذَاهْ وَحَمَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَطَّمُوهُمْ ثُمَّ عَادَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَصَالَحَ قُتَيْبَةُ مَلِكَ الصُّغْدِ، وَفَتَحَ بُخَارَى وَحُصُونَهَا، وَرَجَعَ قُتَيْبَةُ بِالْجُنْدِ إِلَى بِلَادِهِ فَأَذِنَ لَهُ الْحَجَّاجُ، فَلَمَّا سَارَ إِلَى بِلَادِهِ بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَ الصُّغْدِ قَالَ لِمُلُوكِ التُّرْكِ: إِنِ الْعَرَبَ بِمَنْزِلَةِ اللُّصُوصِ فَإِنْ أُعْطُوا شَيْئًا ذَهَبُوا، وَإِنَّ قُتَيْبَةَ هَكَذَا يَقْصِدُ الْمُلُوكَ، فَإِنْ أَعْطَوْهُ شَيْئًا أَخْذَهُ وَرَجَعَ عَنْهُمْ، وَإِنَّ قُتَيْبَةَ لَيْسَ بِمَلِكٍ وَلَا يَطْلُبُ مُلْكًا.

فَبَلَغَ قُتَيْبَةَ قَوْلُهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَكَاتَبَ نَيْزَكُ مَلِكُ التُّرْكِ مُلُوكَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ (١) مِنْهُمْ مَلِكُ الطَّالَقَانِ، وَكَانَ قَدْ صَالَحَ قُتَيْبَةَ فَنَقَضَ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُتَيْبَةَ، وَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِ بِالْمُلُوكِ كلها، فأتاه ملوك كثيرة كوا قَدْ عَاهَدُوا قُتَيْبَةَ عَلَى الصُّلْحِ فَنَقَضُوا كُلُّهُمْ وَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى قُتَيْبَةَ، وَاتَّعَدُوا إِلَى الرَّبِيعِ وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيُقَاتِلُوا كُلُّهُمْ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ مِنَ السَّنَةِ الْآتِيَةِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ قُتَيْبَةُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَصَلَبَ مِنْهُمْ سِمَاطَيْنِ فِي مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ فِي نِظَامٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِمَّا كَسَرَ جُمُوعَهُمْ كُلَّهُمْ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَرَبَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَأَخَوَاهُ الْمُفَضَّلُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ سِجْنِ الْحَجَّاجِ، فَلَحِقُوا بِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَمَّنَهُمْ مِنَ الْحَجَّاجِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدِ احْتَاطَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُمْ عُقُوبَةً عَظِيمَةً، وَأَخَذَ مِنْهُمْ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفٍ، وَكَانَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، كَانَ لَا يُسْمَعُ لَهُ صوت ولو فعلوا به ما فعلوا نكاية لذلك، وكان ذلك يغيظ الحجاج، قَالَ قَائِلٌ لِلْحَجَّاجِ: إِنَّ فِي سَاقِهِ أَثَرَ نُشَّابَةٍ بَقِيَ نَصْلُهَا فِيهِ، وَإِنَّهُ مَتَى أَصَابَهَا شئ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَصْرُخَ، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ: أَنْ يُنَالَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ بِعَذَابٍ، فَصَاحَ فَلَمَّا سَمِعَتْ أُخْتُهُ هِنْدُ بِنْتُ الْمُهَلَّبِ - وَكَانَتْ تَحْتَ الْحَجَّاجِ - صَوْتَهُ بَكَتْ وَنَاحَتْ عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الْحَجَّاجُ ثُمَّ أَوْدَعَهُمُ السِّجْنَ، ثُمَّ خَرَجَ الْحَجَّاجُ إِلَى بَعْضِ الْمَحَالِّ لِيُنْفِذَ جَيْشًا إِلَى الْأَكْرَادِ وَاسْتَصْحَبَهُمْ مَعَهُ، فَخَنْدَقَ حَوْلَهُمْ وَوَكَّلَ بِهِمُ الْحَرَسَ، فَلَمَّا كَانَ

فِي بَعْضِ اللَّيَالِي أَمَرَ يَزِيدُ بن المهلب بطعام كثير فصنع للحرس، ثُمَّ تَنَكَّرَ فِي هَيْئَةِ بَعْضِ الطَّبَّاخِينَ وَجَعَلَ لحيته لحية بيضاء وخرج فَرَآهُ بَعْضُ الْحَرَسِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِشْيَةً أَشْبَهَ بِمِشْيَةِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ مِنْ هَذَا، ثمَّ تبعه يَتَحَقَّقُهُ، فَلَمَّا رَأَى بَيَاضَ لِحْيَتِهِ انْصَرَفَ عَنْهُ، ثُمَّ لَحِقَهُ أَخَوَاهُ فَرَكِبُوا السُّفُنَ وَسَارُوا نَحْوَ الشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحَجَّاجَ هَرَبُهُمُ انْزَعَجَ لِذَلِكَ وَذَهَبَ وَهْمُهُ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى خُرَاسَانَ، فَكَتَبَ إِلَى قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ يُحَذِّرُهُ قُدُومَهُمْ وَيَأْمُرُهُ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُمْ، وَأَنْ يَرْصُدَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَكْتُبَ إِلَى أُمَرَاءِ الثُّغُورِ وَالْكُوَرِ بِتَحْصِيلِهِمْ وَكَتَبَ إلى أمير المؤمنين يُخْبِرُهُ بِهَرَبِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَرَاهُمْ هَرَبُوا إِلَّا إلى


(١) في الطبري ٨ / ٧٠ وكتب إلى أصبهبذ بلخ وإلى سهرك ملك الطالقان وإلى ترسل ملك الفارياب وإلى الجوزجاني ملك الجوزجان وإلى باذام ملك مروروذ، وفي ابن الاثير ٤ / ٥٤٤ باذان.
وفي ابن الاعثم ٧ / ٢٢٥ باذان وجه من وجه الترك.
وفيه: فلما سار إليه قتيبة (وقد التجأ إلى قلعة باذيس) سار معه (أي مع قتيبة) ملوك خراسان وأقبل حتى نزل أسفل القلعة ومعه أهل بخارا وأهل مرو والطالقان والفارياب وأهل بلخ وسرخس.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>