للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفار قتلاً ذريعاً، ثم لا يزال يتتبع نَيْزَكَ خَانَ مَلِكَ التُّرْكِ الْأَعْظَمَ مِنْ إِقْلِيمٍ، إِلَى إِقْلِيمٍ، وَمِنْ كُورَةٍ إِلَى كُورَةٍ، وَمِنْ رُسْتَاقٍ إِلَى رُسْتَاقٍ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَدَأْبَهُ حَتَّى حَصَرَهُ فِي قَلْعَةٍ هُنَالِكَ (١) شَهْرَيْنِ متتابعين، حتى نفذ مَا عِنْدَ نَيْزَكَ خَانَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، وَأَشْرَفَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْهَلَاكِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ قُتَيْبَةُ مَنْ جَاءَ بِهِ مُسْتَأْمَنًا مَذْمُومًا مَخْذُولًا، فَسَجَنَهُ عِنْدَهُ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ فِي أَمْرِهِ فَجَاءَ الْكِتَابُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِقَتْلِهِ، فَجَمَعَ قُتَيْبَةُ الْأُمَرَاءَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُ.

وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا تَقْتُلْهُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: إِنَّكَ أَعْطَيْتَ اللَّهَ عَهْدًا أَنَّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِهِ لَتَقْتُلَنَّهُ، وَقَدْ أمكنك الله منه، فقال قتيبة: والله إن لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إِلَّا مَا يَسَعُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ لَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلُوهُ اقْتُلُوهُ اقتلوه، فقتل هو وسبعمائة من أصحابه من أمرائه فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ وَأَخَذَ قُتَيْبَةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَفَتَحَ فِي هَذَا الْعَامِ مُدُنًا كَثِيرَةً، وَقَرَّرَ مَمَالِكَ كثيرةً، وأخذ حصوناً كثيرةً مشحونةً بالأموال والنساء، ومن آنية الذهب والفضة شيئاً كثيراً، ثم سار قتيبة إلى الطالقان - وهي مدينة كبيرة وبها حصون وأقاليم - فأخذها واستعمل عليها (٢) ، ثم سار إلى الفارياب

وبها مدن ورساتيق، فخرج إليه ملكها سامعاً مطيعاً، فاستعمل عليها رجلاً من أصحابه، ثم سار إلى الجوزجان فأخذها من ملكها واستعمل عليها (٣) ، ثم أتى بلخ فدخلها وأقام بها نهاراً واحداً، ثم خرج منها وقصد نيزك خان ببغلان، وقد نزل نيزك خان معسكراً على فم الشعب الذي منه يدخل إلى بلاده، وفي فم الشعب قلعة عظيمة تسمى شمسية (٤) ، لعلوها وارتفاعها واتساعها.

فقدم على قتيبة الرؤب خان ملك الرؤب وسمنجان، فاستأمنه على أن يدله على مدخل القلعة، فأمنه وبعث معه رجالاً إلى القلعة فأتوها ليلاً ففتحوها وقتلوا خلقاً من أهلها وهرب الباقي، ودخل قتيبة الشعب وأتى سمنجان - وهي مدينة كبيرة - فأقام بها وأرسل أخاه عبد الرحمن خلف ملك تلك المدن والبلاد نيزك خان في جيش هائل، فسار خلقه إلى بغلان فحصره بها، وأقام بحصاره شهرين حتى نفد ما عنده من الأقوات، فأرسل قتيبة من عنده ترجماناً يسمى الناصح (٥) ، فقال له: اذهب فائتني بنيزك خان ولئن عدت إلي وليس هو معك ضربت عنقك.

وأرسل قتيبة معه هدايا وأطعمة فاخرة، فسار الترجمان إلى نيزك حتى أتاه وقدم إليه الأطعمة فوقع عليها أصحابه يتخا طفونها - وكانوا قد أجهدهم الجوع - ثم أعطاه الناصح الأمان وحلف له، فقدم به على قتيبة ومعه سبعمائة أمير من أصحابه ومن أهل بيته


(١) في ابن الاعثم ٧ / ٢٢٥: اسمها براسكين وهي قلعة حصينة لا ترام ولا يقدر عليها أحد.
وفي الهامش: كذا بالاصل، ولم نظفر بها.
(٢) في الطبري ٨ / ٧٥: عمرو بن مسلم وفي ابن الاثير ٤ / ٥٤٩: استعمل أخاه عمر بن سلم.
(٣) في الطبري ٨ / ٧٥: استعمل عليها عامر بن مالك الحماني، وفي ابن الاعثم ٧ / ٢٣٢ الجماني.
وانظر ابن الأثير ٤ / ٥٤٩.
(٤) في ابن الاعثم ٧ / ٢٢٧: براسكين.
(٥) في الطبري وابن الاثير وابن الاعثم: سليم الناصح.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>