للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَكَانَ أَبَوَاهُ يُتْرِفَانِهِ، فَشَبَّ بِلَا أَدَبٍ، وَكَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وكان طويلاً أسمر به أثر جدري خفي، أَفْطَسَ الْأَنْفِ سَائِلَهُ، وَكَانَ إِذَا مَشَى يَتَوَكَّفُ فِي الْمِشْيَةِ - أَيْ يَتَبَخْتَرُ - وَكَانَ جَمِيلًا وَقِيلَ دَمِيمًا، قَدْ شَابَ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ، وَقَدْ رَأَى سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَسَمِعَ أَنَسَ بْنَ مالك لما قدم عليه سأله ما سَمِعَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ أَنَسٍ، وَسَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ

وَحَكَى عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَجَمَعَ الْوَلِيدُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ عِنْدَهُ فَأَقَامُوا سَنَةً، وَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَخَرَجَ يَوْمَ خَرَجَ أَجْهَلَ مِمَّا كَانَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَدْ أُجْهِدَ وَأُعْذِرَ، وَقِيلَ إِنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمَلِكِ أَوْصَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ لَهُ: لَا أَلْفَيَنَّكَ إِذَا مِتُّ تَجْلِسُ تَعْصِرُ عَيْنَيْكَ، وَتَحِنُّ حَنِينَ الْأَمَةِ، وَلَكِنْ شمر واتزر، وَدَلِّنِي فِي حُفْرَتِي، وَخَلِّنِي وَشَأْنِي، وَادْعُ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَمَنْ قَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا فَقُلْ بِسَيْفِكَ هَكَذَا.

وَقَالَ اللَّيْثُ: وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وتسعين (٢) غَزَا الْوَلِيدُ بِلَادَ الرُّومِ، وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ أَيْضًا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: غَزَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا بِلَادَ مَلَطْيَةَ وَغَيْرَهَا، وَكَانَ نقش خاتمه أو من بِاللَّهِ مُخْلِصًا.

وَقِيلَ كَانَ نَقْشُهُ يَا وَلِيدُ إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَيُقَالُ إِنَّ آخِرَ مَا تكلَّم بِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَوْمًا: فِي كَمْ تَخْتِمُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى شُغْلِهِ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، وَقِيلَ فِي كُلِّ سَبْعٍ، قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَبْعَ عَشْرَةَ خَتْمَةً.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْوَلِيدُ وأين مثله؟ بنى مسجد دمشق، وكان ويعطيني قطع الْفِضَّةِ فَأُقَسِّمُهَا عَلَى قُرَّاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ الْوَلِيدُ يَوْمًا مِنَ الْبَابِ الْأَصْغَرِ فَرَأَى رَجُلًا عِنْدَ الْمِئْذَنَةِ الشَّرْقِيَّةِ يَأْكُلُ شَيْئًا، فَأَتَاهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَتُرَابًا، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: الْقُنُوعُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَذَهَبَ إِلَى مَجْلِسِهِ ثُمَّ اسْتَدْعَى بِهِ فَقَالَ: إِنْ لَكَ لَشَأْنًا فَأَخْبِرْنِي بِهِ وَإِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ، فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كنت رجلاً حمالاً، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مِنْ مَرْجِ الصُّفَّرِ قَاصِدًا إلى الكسوة، إذ زرمني الْبَوْلُ فَعَدَلْتُ إِلَى خَرِبَةٍ لِأَبُولَ، فَإِذَا سَرَبٌ فَحَفَرْتُهُ فَإِذَا مَالٌ صَبِيبٌ، فَمَلَأْتُ مِنْهُ غَرَائِرِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَقُودُ بِرَوَاحِلِي وَإِذَا بِمِخْلَاةٍ مَعِي فِيهَا طَعَامٌ فَأَلْقَيْتُهُ مِنْهَا، وَقُلْتُ: إِنِّي سَآتِي الْكُسْوَةَ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْخَرِبَةِ لِأَمْلَأَ تِلْكَ الْمِخْلَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَلَمْ أَهْتَدِ إِلَى الْمَكَانِ بَعْدَ الْجَهْدِ فِي الطَّلَبِ، فَلَمَّا أَيِسْتُ رَجَعْتُ إِلَى الرَّوَاحِلِ فَلَمْ أَجِدْهَا وَلَمْ أَجِدِ الطَّعَامَ، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنِّي لَا آكُلُ إِلَّا خُبْزًا وَتُرَابًا.

قَالَ: فَهَلْ

لَكَ عِيَالٌ؟ قَالَ نعم، ففرض له في بيت المال.


(١) في وفيات الاعيان ٦ / ٢٥٤: أبيض.
(٢) كذا بالاصول، وهو تحريف، والمشهور أن الوليد قد مات سنة ٩٦ هـ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>