للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَتَلَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَبْنَاءِ إِخْوَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ سِوَى ضِرَارِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ الْغَرَّاءَ بِنْتَ ضِرَارِ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زرارة، فحمته أخواله، وعمرو بن مسلم كان عَامِلَ الْجَوْزَجَانِ وَقُتِلَ قُتَيْبَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الله وعبيد الله وصالح ويسار (١) ، وَهَؤُلَاءِ أَبْنَاءُ مُسْلِمٍ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ أَبْنَائِهِمْ (٢) فَقَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ وَكِيعُ بْنُ سُودٍ.

وَقَدْ كَانَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُصَيْنِ بْنِ رَبِيعَةَ أَبُو حَفْصٍ الْبَاهِلِيُّ، مِنْ سَادَاتِ الْأُمَرَاءِ وَخِيَارِهِمْ، وَكَانَ مِنَ الْقَادَةِ النُّجَبَاءِ الْكُبَرَاءِ، وَالشُّجْعَانِ وذوي الحروف وَالْفُتُوحَاتِ السَّعِيدَةِ، وَالْآرَاءِ الْحَمِيدَةِ، وَقَدْ هَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقًا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ، فَأَسْلَمُوا وَدَانُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفَتَحَ مِنَ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ الْكِبَارِ وَالْمُدُنِ الْعِظَامِ شَيْئًا كَثِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُضِيعُ سَعْيَهُ وَلَا يُخَيِّبُ تَعَبَهُ وَجِهَادَهُ.

وَلَكِنْ زَلَّ زَلَّةً كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ، وَفَعَلَ فَعْلَةً رَغِمَ فِيهَا أَنْفُهُ، وَخَلَعَ الطَّاعَةَ فَبَادَرَتْ المنية إليه، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، لَكِنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا قَدْ يُكَفِّرُ الله به سيئاته، ويضاعف به حسناته، وَاللَّهُ يُسَامِحُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ، وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُ مَا كَانَ يُكَابِدُهُ مِنْ مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بفرغاته مِنْ أَقْصَى بِلَادِ خُرَاسَانَ، فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٍ وأربعون سنة، وكان أبوه أبو صالح مسلم فيمن قُتِلَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى خُرَاسَانَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاسْتَفَادَ وَأَفَادَ فِيهَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَقَدْ رَثَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُمَانَةَ الْبَاهِلِيُّ فَقَالَ: - كَأَنَّ أَبَا حَفْصٍ قُتَيْبَةَ لم يسرُ * بجيش إلى جيش ولم يعمل مِنْبَرَا

وَلَمْ تَخْفِقِ الرَّايَاتُ وَالْقَوْمُ حَوْلَهُ * وقوفٌ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ النَّاسُ عَسْكَرَا دَعَتْهُ الْمَنَايَا فَاسْتَجَابَ لِرَبِّهِ * وَرَاحَ إِلَى الْجَنَّاتِ عَفًّا مُطَهَّرَا فَمَا رُزِئَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ * بِمَثَلِ أَبِي حَفْصٍ فَبَكِّيهِ عَبْهَرَا وَلَقَدْ بَالَغَ هَذَا الشَّاعِرُ في بيته الأخير.

وعبهر (٣) وَلَدٍ لَهُ.

وَقَالَ الطِّرْمَاحُ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ التي قتل فيها على يد وكيع بن سُودٍ: لَوْلَا فَوَارِسُ مَذْحِجِ ابْنَةِ مَذْحِجِ * وَالْأَزْدُ زُعْزِعَ وَاسْتُبِيحَ الْعَسْكَرُ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْبِلَادُ وَلَمْ يَؤُبْ * مِنْهُمْ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ مُخَبِّرُ وَاسْتَضْلَعَتْ عُقَدُ الْجَمَاعَةِ وَازْدَرَى * أَمْرُ الْخَلِيفَةِ وَاسْتُحِلَّ الْمُنْكَرُ


(١) زيد في الطبري وابن الاثير وابن الاعثم: عبد الكريم وحصين.
وزاد ابن الاعثم: وزياد.
(٢) ذكر الطبري ٨ / ١٠٩: كثير بن قتيبة ومغلس بن عبد الرحمن بن مسلم وإياس بن عمرو.
(٣) عبهر: أم ولد لقتيبة بن مسلم.
(الطبري ٨ / ١١٢ وابن الاثير ٥ / ٢٠) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>