للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلْفَهُ فَعَلَّمَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (١) كَلِمَاتِ الْكَرْبِ فَقَالَهَا حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، وَهِيَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لَا إله إلا الله رب السموات السَّبْعِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.

تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خَوْلَةَ بِنْتَ مَنْظُورٍ الْفَزَارِيِّ.

وَقَالَ يَوْمًا لِرَجُلٍ مِنَ الرَّافِضَةِ: وَاللَّهِ إِنَّ قتلك لقربة إلى الله عزوجل، فقال له الرجل: إنك تمزح، فقال: الله مَا هَذَا مِنِّي بِمَزْحٍ وَلَكِنَّهُ الْجِدُّ.

وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْهُمْ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ "؟.

فَقَالَ: بَلَى، وَلَوْ أَرَادَ الْخِلَافَةَ لَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ هذا ولي أمركم من بعدي، وهو القائم عليكم، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اخْتَارَ عَلِيًّا لِهَذَا الْأَمْرِ ثُمَّ تَرَكَهُ عَلِيٌّ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: وَاللَّهِ لَئِنْ وُلِّينَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا لَنُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ، ثُمَّ لَا نَقْبَلُ لَكُمْ تَوْبَةً، وَيْلَكُمْ غَرَرْتُمُونَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَيَلْكُمْ

لَوْ كَانَتِ الْقَرَابَةُ تنفع بلا عمل لنفعت أباه وأمه، لو كَانَ مَا تَقُولُونَ فِينَا حَقًّا لَكَانَ آبَاؤُنَا إِذْ لَمْ يُعْلِمُونَا بِذَلِكَ قَدْ ظَلَمُونَا وَكَتَمُوا عَنَّا أَفْضَلَ الْأُمُورِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَى أَنْ يضاعف العذاب للعاصي منا ضِعْفَيْنِ، كَمَا إِنِّي لَأَرْجُوَ لِلْمُحْسِنِ مِنَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، وَيْلَكُمْ أَحِبُّونَا إِنْ أطعنا الله على طاعته، وأبغضونا إن عصينا الله على معصيته.

مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ (٢) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ مَوْلَاهُمْ، كَانَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ، وَقِيلَ كَانَ مَوْلًى لِبَنِي أُمَيَّةَ، افْتَتَحَ بِلَادَ الْمَغْرِبِ، وَغَنِمَ مِنْهَا أَمْوَالًا لَا تُعَدُّ وَلَا تُوصَفُ، وَلَهُ بِهَا مَقَامَاتٌ مَشْهُورَةٌ هَائِلَةٌ، وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ أعرج، ويقال إنه ولد في سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَصْلُهُ مِنْ عَيْنِ التَّمر، وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ إِرَاشَةَ مِنْ بلِّي، سُبِيَ أَبُوهُ مِنْ جَبَلِ الْخَلِيلِ مِنَ الشَّامِ فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهِ نَصْرًا فَصُغِّرَ، رَوَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَيَزِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الْيَحْصُبِيُّ، وَوَلِيَ غَزْوَ الْبَحْرِ لِمُعَاوِيَةَ، فَغَزَا قُبْرُصَ، وَبَنَى هُنَالِكَ حصوناً كالماغوصة وحصن بانس وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُصُونِ الَّتِي بَنَاهَا بِقُبْرُصَ، وَكَانَ نَائِبَ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا مُعَاوِيَةُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَشَهِدَ مَرْجَ رَاهِطٍ مَعَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، فَلَمَّا قُتِلَ الضحاك لجأ موسى بن نصير لعبد الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ لَمَّا دَخَلَ مَرْوَانُ بِلَادَ مِصْرَ كَانَ مَعَهُ فَتَرَكَهُ عِنْدَ ابْنِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثمَّ لَمَّا أَخَذَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِلَادَ الْعِرَاقِ جَعَلَهُ وَزِيرًا عِنْدَ أَخِيهِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ.

وَكَانَ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ هَذَا ذَا رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ وَحَزْمٍ وَخِبْرَةٍ بِالْحَرْبِ، قَالَ البغوي (٣) : ولي موسى ابن نُصَيْرٍ إِمْرَةَ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ فافتتح بلاداً كثيرة جداً مدناً وأقاليم، وقد ذكرنا أنه


(١) كذا بالاصول، وقد تقدم أن وفاته كانت سنة ٩٤، ولعله كان قد علمه دعاء الكرب قبل ذلك.
(٢) في البيان المغرب لابن عذارى ص ١ / ٣٩: قيل إنه من لخم وقيل من بكر بن وائل وذكر ابن بشكوال في الصلة: موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن زيد.
كان على خراج البصرة قدمه عليها عبد الملك بن مروان.
(انظر الامامة والسياسة ٢ / ٥٩) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>