للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فَتَزْدَرِيهِ * وَفِي أَثْوَابِهِ أَسَدٌ زئير ويعجبك الطرير فتختبره * فيخلف ظنك الرجل الطرير وما هام الرجال لها بزين * ولكن زينها دين وَخِيرُ بُغَاثُ الطَّيْرِ أَطْولُهَا جُسُومًا * وَلَمْ تُطُلِ الْبُزَاةُ وَلَا الصُّقُورُ

وَقَدْ عَظُمَ الْبَعِيرُ بِغَيْرِ لبٍ * فَلَمْ يَسْتَغْنِ بِالْعِظَمِ الْبَعِيرُ فَيُرْكَبُ ثُمَّ يُضْرَبُ بِالْهَرَاوَى * وَلَا عُرْفٌ لَدَيْهِ وَلَا نَكِيرُ وعود النبع ينبت مستمراً * وليس يطول والعضباء حور وَقَدْ تكلَّم أَبُو الْفَرَجِ بْنُ طَرَارٍ عَلَى غَرِيبِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَشِعْرِهَا بِكَلَامٍ طَوِيلٍ، قَالُوا: وَدَخَلَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَامْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: - عَلَى ابْنِ أَبِي الْعَاصِي دُرُوعٌ حصينةٌ * أَجَادَ المسدى سردها وأدالها قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَفَلَا قُلْتَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى لِقَيْسِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ: - وَإِذَا تجئ كتيبةٌ ملمومة * شهباً يخشى الذائدون صيالها كنت المقدم غير لابس جبةً * بالسيف يضرب مُعْلِمًا أَبْطَالَهَا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصَفَهُ بِالْخُرْقِ وَوَصَفْتُكَ بِالْحَزْمِ.

وَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ لِلْخُرُوجِ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كُثَيِّرُ، ذَكَرْتُكَ الْآنَ بِشِعْرِكَ فَإِنْ أَصَبْتَهُ أَعْطَيْتُكَ حُكْمَكَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَأَنَّكَ لَمَّا وَدَّعْتَ عَاتِكَةَ بِنْتَ يَزِيدَ بَكَتْ لِفِرَاقِكَ فَبَكَى لِبُكَائِهَا حَشَمُهَا فَذَكَرْتَ قَوْلِي: إِذَا مَا أَرَادَ الْغَزْوَ لَمْ تَثْنِ عزمه * حصان عليها نظم (١) دريزينها نهته فلما لم تر النهي عافه * بَكَتْ فَبَكَى مِمَّا عَرَّاهَا (٢) قَطِينُهَا قَالَ: أَصَبْتَ فَاحْتَكِمْ، قَالَ: مِائَةُ نَاقَةٍ مِنْ نُوقِكَ الْمُخْتَارَةِ، قَالَ: هِيَ لَكَ، فَلَمَّا سَارَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْعِرَاقِ نَظَرَ يَوْمًا إِلَى كُثَيِّرِ عَزَّةَ وَهُوَ مُفَكِّرٌ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: عليَّ بِهِ، فلما جئ بِهِ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَخْبَرْتُكَ بِمَا كُنْتَ تُفَكِّرُ بِهِ تُعْطِينِي حُكْمِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ، قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنَّكَ تَقُولُ فِي نَفْسِكَ: هَذَا رَجُلٌ لَيْسَ هُوَ عَلَى مَذْهَبِي، وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى قتال رجل لَيْسَ هُوَ عَلَى مَذْهَبِي، فَإِنْ أَصَابَنِي سَهْمٌ غَرْبٌ مِنْ بَيْنِهِمَا خَسِرْتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاحْتَكِمْ، قَالَ أحتكم حُكْمِي أَنْ أَرُدَّكَ إِلَى أَهْلِكَ وَأُحْسِنَ جَائِزَتَكَ، فأعطاه مالاً


(١) في الاغاني ٩ / ٢١: عقد.
(٢) في الاغاني، وابن خلكان ٤ / ١٠٨: شجاها.
والقطين: الخدم والاتباع والحشم (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>