للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل، تبكي على من كان يعمل على ظهرها بطاعة الله، وتبكي ممن كان يعمل على ظهرها بمعصية الله، قد أثقلها.

ثم قرأ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) [الدخان: ٢٩] وقال في قَوْلَهُ تَعَالَى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: ٧ - ٨] من يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيراً من كافر يرى ثوابها في نفسه وأهله وماله حتى يخرج من الدنيا وليس له خير.

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ، من مؤمن يرى عقوبتها في نفسه وأهله وماله حتى يخرج من الدنيا وليس له شر.

وقال: ما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي في بعض (١) ما يكره فمقتني، وقال: اذهب لا أغفر لك، مع إن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى محمد بن كعب يسأله أن يبيعه غلامه سالماً - وكان عابداً خيراً زاهداً - فكتب إليه: إني قد دبرته، قال: فازدد فيه، فأتاه سالم فقال له عمر: إني قد ابتليت بما ترى، وأنا والله أتخوف أن لا أنجو، فقال له سالم: إن كنت كما تقول فهذا نجاته، وإلا فهو الأمر الذي يخاف.

قال: يا سالم عظني، قال: آدم عليه السلام أخطأ خطيئة واحدة خرج بها من الجنة، وأنتم مع عمل الخطايا ترجون دخول الجنة، ثم سكت.

قلت: والأمر كما قيل في بعض كتب الله: تزرعون السيئات وترجون الحسنات، لا يجتنى من الشوك العنب.

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي * درج الجنان وطيب عيش العابد ونسيت أن الله أخرج آدماً * منها إلى الدنيا بذنب واحد وقال: من قرأ القرآن متِّع بعقله وإن بلغ من العمر مائتي سنة.

وقال له رجل: ما تقول في التوبة؟ قال: لا أحسنها، قال: أفرأيت إن أعطيت الله عهداً أن لا تعصيه أبداً؟ قال: فمن أعظم

جرماً منك، تتألى على الله أن لا ينفذ فيك أمره.

وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني: حدثنا ابن عبد العزيز، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عباد بن عباد، عن هشام بن زياد أبي المقدام.

قالوا كلهم: حدثنا محمد بن كعب القرظي قال: حدثنا ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده، ألا أنبئكم بشراركم؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنباً، ثم قال: ألا أنبئكم بشر من هذا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل خطيباً فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموها - وقال مرة فتظلموهم - ولا تظلموا ظالماً، ولا تطاولوا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بَنِي إسْرائِيلَ


(١) فِي صفة الصفوة ٢ / ١٣٣: بعض ذنوبي فمقتني.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>