للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نساء المسلمين، ومن أهل الذمة أيضاً، وقتل من التُّرْكِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَأَسَرَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا فَقَتَلَهُمْ صَبْرًا، وَشَفَى مَا كَانَ تَغَلَّثَ من القلوب، ولم يكتف الخليفة بِذَلِكَ حَتَّى أَرْسَلَ أَخَاهُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي أَثَرِ التُّرْكِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ وَشِتَاءٍ عَظِيمٍ، فَوَصَلَ إِلَى بَابِ الأبواب واستخلف عنه أَمِيرًا وَسَارَ هُوَ بِمَنْ مَعَهُ فِي طَلَبِ الْأَتْرَاكِ وَمَلِكِهِمْ خَاقَانَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَنَهَضَ أَمِيرُ خُرَاسَانَ فِي طَلَبِ الْأَتْرَاكِ أَيْضًا فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَوَصَلَ إِلَى نَهْرِ بَلْخَ وَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ سِرِّيَّةً ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَأُخْرَى عَشَرَةَ آلَافٍ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، وَجَاشَتِ الترك وجيشت، فأتوا سمرقند فكتب أميرها (١) إِلَيْهِ يُعْلِمُهُ بِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى صَوْنِ سَمَرْقَنْدَ مِنْهُمْ، وَمَعَهُمْ مِلْكُهُمُ الْأَعْظَمُ خَاقَانُ، فَالْغَوْثَ الْغَوْثَ.

فَسَارَ الْجُنَيْدُ مُسْرِعًا فِي جيشٍ كثيفٍ هو نَحْوَ سَمَرْقَنْدَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى شِعْبِ سَمَرْقَنْدَ وبقي بينه وبينها أربعة فراسخ، فصحبه خَاقَانُ فِي جمعٍ عظيمٍ، فَحَمَلَ خَاقَانُ عَلَى مُقَدِّمَةِ الْجُنَيْدِ فَانْحَازُوا إِلَى الْعَسْكَرِ وَالتُّرْكُ تَتْبَعُهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَتَرَاءَى الْجَمْعَانِ وَالْمُسْلِمُونَ يَتَغَدَّوْنَ وَلَا يَشْعُرُونَ بِانْهِزَامِ مُقَدِّمَتِهِمْ وَانْحِيَازِهَا إِلَيْهِمْ، فَنَهَضُوا إِلَى السِّلَاحِ وَاصْطَفَوْا عَلَى مَنَازِلِهِمْ، وَذَلِكَ فِي مجال واسع، ومكان بارز، فالتقوا وحملت الترك على ميمنة المسلمين وفيها بنو تميم والأزد، فقتل

منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ بَرَزَ بَعْضُ شُجْعَانِ الْمُسْلِمِينَ لجماعة من شجعان الترك فقتلهم، فناداه منادي خاقان: إن صرت إلينا جعلناك ممن يرقص الصَّنَمَ الْأَعْظَمَ فَنَعْبُدُكَ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ، إِنَّمَا أُقَاتِلُكُمْ عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

ثُمَّ تَنَاخَى الْمُسْلِمُونَ وَتَدَاعَتِ الْأَبْطَالُ وَالشُّجْعَانُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَصَبَرُوا وَصَابَرُوا، وَحَمَلُوا عَلَى التُّرْكِ حملة رجل واحد، فهزمهم الله عزوجل، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَطَفَتِ التُّرْكُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ سِوَى أَلْفَيْنِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون، وقتل يومئذ سودة بن الحر (١) وَاسْتَأْسَرُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً فَحَمَلُوهُمْ إِلَى الْمَلِكِ خَاقَانَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَهَذِهِ الْوَقْعَةُ يُقَالُ لَهَا وَقْعَةُ الشِّعْبِ.

وَقَدْ بَسَطَهَا ابْنُ جَرِيرٍ جداً.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ الْكِنْدِيُّ أَبُو الْمِقْدَامِ، وَيُقَالُ أَبُو نَصْرٍ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، كَبِيرُ الْقَدْرِ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ عَادِلٌ، وَزِيرُ صِدْقٍ لِخُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ مَكْحُولٌ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: سَلُوا شَيْخَنَا وَسَيِّدَنَا رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَوَثَّقُوهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَهُ روايات وكلام حسن رحمه الله.


(١) في الطبري ٨ / ٢٠٦ وابن الاثير ٥ / ١٦٢: أميرها سورة بن الحر.
(٢) من الطبري وابن الاثير، وفي الاصل: أبجر (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>