للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ دِينِنَا * دِينِي (١) عَلَى دِينِ أَبِي شَاكِرِ نَشْرَبُهَا صِرْفًا وَمَمْزُوجَةً * بِالسُّخْنِ أَحْيَانًا وَبِالْفَاتِرِ فَغَضِبِ هِشَامٌ عَلَى ابْنِهِ مَسْلَمَةَ، وكان يسمى أبا شاكر، وقال له: تشبه الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُرَقِّيَكَ إلا الْخِلَافَةِ، وَبَعَثَهُ عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَهَ تِسْعَ (٢) عَشْرَةَ ومائة فأظهر النسك والوقار، وَقَسَّمَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمْوَالًا، فَقَالَ مَوْلًى لِأَهْلِ المدينة: يا أيها السائل عن ديننا * نحن عَلَى دِينِ أَبِي شَاكِرِ الْوَاهِبِ الْجُرْدِ (٣) بِأَرْسَانِهَا * لَيْسَ بِزِنْدِيقٍ وَلَا كَافِرِ وَوَقَعَتْ بَيْنَ هِشَامٍ وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَحْشَةٌ عَظِيمَةٌ بِسَبَبِ تَعَاطِي الْوَلِيدِ مَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ فَتَنَكَّرَ لَهُ هِشَامٌ وَعَزَمَ عَلَى خَلْعِهِ وَتَوْلِيَةِ وَلَدِهِ مَسْلَمَةَ وِلَايَةَ الْعَهْدِ، فَفَرَّ مِنْهُ الْوَلِيدُ إِلَى الصَّحْرَاءِ (٤) ، وَجَعَلَا يَتَرَاسَلَانِ بِأَقْبَحِ الْمُرَاسَلَاتِ، وَجَعَلَ هِشَامٌ يَتَوَعَّدُهُ وَعِيدًا شَدِيدًا، وَيَتَهَدَّدُهُ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ وَالْوَلِيدُ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَدِمَ فِي صَبِيحَتِهَا عَلَيْهِ الْبُرُدُ بِالْخِلَافَةِ، قَلِقَ الْوَلِيدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَلَقًا شَدِيدًا، وَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: وَيْحَكَ قَدْ أَخَذَنِي اللَّيْلَةَ قَلَقٌ عَظِيمٌ فَارْكَبْ لَعَلَّنَا نبسط، فَسَارَا مِيلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ فِي هِشَامٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، مِنْ كَتْبِهِ إِلَيْهِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، ثُمَّ رَأَيَا مِنْ بُعْدٍ رَهْجًا وَأَصْوَاتًا وَغُبَارًا، ثُمَّ انْكَشَفَ ذَلِكَ عَنْ بُرُدٍ يَقْصِدُونَهُ بِالْوِلَايَةِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: وَيْحَكَ! إِنَّ هَذِهِ رُسُلُ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا خَيْرَهَا، فَلَمَّا اقْتَرَبَتِ الْبَرُدُ مِنْهُ

وَتَبَيَّنُوهُ ترجلوا إلى الارض وجاؤوا فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، فَبُهِتَ وَقَالَ: وَيْحَكُمْ أَمَاتَ هِشَامٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ بَعَثَكُمْ؟ قَالُوا: سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ دِيوَانِ الرَّسَائِلِ، وَأَعْطَوْهُ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَيْفَ مَاتَ عَمُّهُ هِشَامٌ، فَأَخْبَرُوهُ.

فَكَتَبَ مِنْ فَوْرِهِ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَى أَمْوَالِ هِشَامٍ وَحَوَاصِلِهِ بِالرُّصَافَةِ وَقَالَ: لَيْتَ هِشَامًا عَاشَ حَتَّى يَرَى * مِكْيَالَهُ الْأَوْفَرَ قَدْ طُبِّعَا كِلْنَاهُ بِالصَّاعِ الَّذِي كاله * وما ظلمناه به إصبعا


(١) في الطبري ٨ / ٢٨٩ وابن الاثير ٥ / ٢٦٥: نحن.
قال في الاغاني ٧ / ٣: ويقال: قال ذلك عبد الصمد بن عبد الاعلى - مؤدبه - ونحله إياه وذكر في الفخري أبياتا كتب بها الوليد إلى هشام ص ١٣٤ ومنها فيه وفي الاغاني ٧ / ٨: كفرت يدا من منعم لو شكرتها * جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن (٢) في الاغاني ٧ / ٤: سبع عشرة.
(٣) في الاغاني: البزل.
والبازل من الابل: الذي استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة.
(٤) نزل بالازرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الاغدف (ابن الاثير ٥ / ٢٦٥ الطبري ٨ / ٢٨٩) وفي الاغاني ٧ / ٨: بالابرق.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>